للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو ثَوْرٍ، والمُزَنِىُّ: لا يُصَلِّى في شيءٍ منها، كالأوانِى.

وقال أبو حنيفة، والشافعيُّ: يتَحَرَّى فيها، كقَوْلهِم في الأوانِى والقِبْلَةِ.

ولنا أنه أَمْكَنَهُ أداءُ فَرْضِه بيَقِينٍ من غيرِ حَرَجٍ فيلْزمُه، كما لو اشْتَبَه الطَّهُورُ بالطاهِر، وكما لو نَسِىَ صلاةً مِن يومٍ لا يعلمُ عَيْنَها.

والفرقُ بين هذا وبين الأوانِى النَّجِسَةِ مِن وَجْهَيْن: أحدُهما أن اسْتعمالَ النَّجِسِ يتَنَجَّسُ به، ويمنعُ صِحَّةَ صلاتِه في الحالِ والمآلِ، وهذا بخلافِه. الثاني، أن الثَّوْبَ النَّجِسَ تُباحُ له (١٤) الصلاةُ فيه إذا لم يجدْ غيرَه، والماءُ النَّجِسُ بخلافِه.

والفرقُ بينه وبين القِبْلَةِ مِن وُجوهٍ: أحدُها، أن القبلةَ يكثُر الاشْتِباهُ فيها، فيشُقُّ اعْتبارُ اليَقِينِ، فسقَط دَفْعًا للمَشَقَّةِ، وهذا بخلافِه. الثاني، أن الاشْتِباهَ ههنا حصَل بتَفْرِيطِه؛ لأنه كان يُمْكِنُه تَعْلِيمُ النَّجِسِ أو غَسْلُه، ولا يُمْكِنُه ذلك في القِبْلَةِ. الثالث، أن القِبلةَ عليها أدِلَّةٌ من النجومِ والشمسِ والقمرِ وغيرِها، فيصِحُّ الاجتهادُ في طَلَبِها، ويَقْوَى دليلُ الإِصابة لها، بحيثُ لا يَبْقَى احتمالُ الخطأ إلَّا وَهْمًا ضَعِيفًا، بخلافِ الثِّيابِ.

فصل: فإن لم يعلمْ عددَ النَّجِسِ، صَلَّى فيما يَتَيقَّنُ به أنه صَلَّى في ثوبٍ طاهر، فإن كثُرَ ذلك وشَقَّ، فقال ابنُ عَقِيلٍ: يتَحَرَّى في أصَحِّ الوَجْهَيْن؛ دَفْعًا للمَشَّقة. والثانى لا يتحَرَّى؛ لأن هذا ينْدُرُ جِدًّا، فلا يُفْرَدُ بحُكْمٍ، ويُسْحَبُ عليه ذَيْلُ (١٥) الغالبِ.

فصل: وإن ورَد ماءً فأخْبرَهُ بنَجاستِه صَبىٌّ أو كافرٌ أو فاسقٌ، لم يَلْزَمْه قَبولُ خَبرِه؛ لأنه ليس مِن أهل الشهادةِ ولا الرِّوايةِ، فلا يَلْزَمُه قبولُ خبرِه، كالطفلِ والمَجنون، وإن كان المُخْبِرُ بالغًا عاقلًا مُسْلِمًا غيرَ معلومٍ فِسْقُه، وعَيَّنَ سببَ النجاسةِ، لَزِمَ قبولُ خَبَرِه، سواء كان رجلًا أو امرأةً، حُرًّا أو عَبْدًا، معلومَ العدالةِ أو مَسْتُورَ الحالِ؛ لأنه خبرٌ دِينِىٌّ، فأشْبَهَ الخبَر بدخولِ وقتِ الصلاةِ. وإن لم يُعَيِّنْ


(١٤) سقط من: الأصل.
(١٥) في م، أ: "دليل".

<<  <  ج: ص:  >  >>