للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتَغْيِيرِ بِنَائِه، وفِعْلِ ما يَدُلُّ على مِلْكِه (٥)، فوَجَبَ أن يُرَجَّحَ بهذا، كما يُرَجَّحُ باليَدِ، فإنَّه يُمْكِنُ أن تكونَ يَدًا عَادِيَةً، حَدَثَتْ بالغَصْبِ أو بالسَّرِقَةِ أو العَارِيَّةِ أو الإجَارَةِ، فلم يَمْنَعْ ذلك التَّرْجِيحَ بها.

فصل: فإن كان لأحَدِهما عليه بِنَاءٌ، كحَائِطٍ مَبْنِىٍّ عليه، أو عَقْدٍ مُعْتَمِدٍ عليه، أو قُبَّةٍ [ونحو هذا] (٦)، فهو له. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ؛ لأنَّ وَضْعَ بِنَائِه عليه (٧) بمَنْزِلَةِ اليَدِ الثَّابِتَةِ عليه، لكَوْنِه مُنْتَفِعًا به، فجَرَى مَجْرَى كَوْنِ حِمْلِه على البَهِيمَةِ وزَرْعِه فى الأَرْضِ، ولأنَّ الظَّاهِرَ أنَّ الإنسانَ لا يَتْرُكُ غيرَه يَبْنِى على حَائِطِه. وكذلك إن كانتْ له عليه سُتْرَةٌ، ولو كان فى أصْلِ الحائِطِ خَشَبَةٌ طَرَفُها تَحْتَ حَائِطٍ يَنْفَرِدُ به أحَدُهما، أو له عليها أزَجٌ مَعْقُودٌ، فالحَائِطُ المُخْتَلَفُ فيه له؛ لأنَّ الظَّاهِرَ أن الخشَبَةَ لمن يَنْفَرِدُ بِوَضْعِ بنَائِه عليها، فيكونُ الظَّاهِرُ أنَّ ما عليها من البِنَاءِ له.

فصل: فإن كان لأحَدِهما خَشَبٌ مَوْضُوعٌ، فقال أصْحابُنا: لا تُرَجَّحُ دَعْوَاه بذلك. وهو قولُ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّ هذا ممَّا يَسْمَحُ به الجَارُ. وقد وَرَد الخَبَرُ بالنَّهْىِ عن المَنْعِ منه. وعندَنا أنَّه حَقٌّ يَجِبُ التَّمْكِينُ منه. فلم تُرَجَّحْ به الدَّعْوَى، كإسْنَادِ مَتَاعِه فيه (٨)، وتَجْصِيصِه وتَزْوِيقِه. ويَحْتَمِلُ أن تُرَجَّحَ به الدَّعْوَى. وهو قول مالكٍ؛ لأنَّه مُنْتَفِعٌ به بِوَضْعِ مَالِه عليه، فأشْبَه البَانِىَ عليه والزَّارِعَ فى الأرْضِ، وَوُرُودُ الشَّرْعِ بالنَّهْىِ عن المَنْعِ مِنه، لا يَمْنَعُ كَوْنَه دَلِيلًا على الاسْتِحْقَاقِ، بِدَلِيلِ أنَّنا (٩) اسْتَدْلَلْنَا بِوَضْعِه على كَوْنِ الوَضْعِ مُسْتَحَقًّا على الدَّوَامِ، حتى متى زَالَ جَازَتْ إعَادَتُه، ولأنَّ كَوْنَه مُسْتَحَقًّا تُشْتَرَطُ له الحَاجَةُ إلى وَضْعِه، ففيما لا حَاجَةَ إليه له مَنْعُهُ من وَضْعِه. وأمَّا السَّمَاحُ به، فإنَّ أكْثَرَ النَّاسِ لا يَتَسَامَحُونَ به، ولهذا لمَّا رَوَى أبو هُرَيْرَةَ الحَدِيثَ عن النبىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، طَأطَؤُا رُءُوسَهُم، كَرَاهةً لذلك، فقال: مَالِى


(٥) فى ازيادة: "له".
(٦) فى أ، م: "ونحوها".
(٧) سقط من: الأصل، ب، م.
(٨) فى أ، ب: "إليه".
(٩) فى أ، م: "أن".

<<  <  ج: ص:  >  >>