للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَقٌّ. وكذلك قوله: "مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ". ورَوَى سَعِيدٌ، في "سُنَنِه" أنَّ عمرَ رَضِىَ اللَّه عنه، قال: مَنْ كانتْ له أرْضٌ - يَعْنِى مَنْ تَحَجَّرَ أرْضًا - فعَطَّلَها ثَلَاثَ سِنِينَ، فجاءَ قَوْمٌ فعَمَرُوهَا، فهم أحَقُّ بها. وهذا يَدُلُّ على أنَّ من عَمَرَها قبل ثَلَاث سِنِينَ لا يَمْلِكُها؛ لأنَّ الثانىَ أحْيَا في حَقِّ غيرِه، فلم يَمْلِكْه، كما لو أحْيَا ما يَتَعَلَّقُ به مَصَالِحُ مِلْكِ غيره، ولأنَّ حَقَّ المُتَحَجِّرِ أسْبَقُ، فكان أَوْلَى، كَحَقِّ الشَّفِيعِ يُقَدَّمُ على شِرَاءِ المُشْتَرِى. فإن طَالَتِ المُدَّةُ عليه، فيَنْبَغِى أن يقولَ له السُّلْطانُ: إمَّا أن تُحْيِيَهُ، أو تَتْرُكَه لِيُحْيِيَه غيرُك. لأنَّه ضَيَّقَ على النَّاسِ في حَقٍّ مشْتَرَكٍ بينهم، فلم يُمَكَّنْ من ذلك، كما لو وَقَفَ في طَرِيقٍ ضَيِّقٍ، أو مَشْرَعةِ ماءٍ، أو مَعْدِنٍ لا يَنْتَفِعُ به (٢٨)، ولا يَدَعُ غيرَه يَنْتَفِعُ. فإن سَأَلَ الإِمْهَالَ لِعُذْرٍ له، أُمْهِلَ الشَّهْرَ والشَّهْرَيْنِ، ونحوَ ذلك. فإن أحْياهُ غيرُه في مُدَّةِ المُهْلَةِ؛ ففيه الوَجْهانِ اللَّذان ذَكَرْنَاهُما. وإن تَقَضَّت المُدَّةُ ولم يُعَمِّرْ، فلِغَيْرِه أن يُعَمِّرَهُ ويَمْلِكهُ؛ لأنَّ المُدَّةَ ضُرِبَتْ له لِيَنْقَطِعَ حَقُّه بمُضِيِّها، وسواءٌ أَذِنَ له السُّلْطانُ في عِمَارَتِها، أو لم يَأْذَنْ له. وإن لم يكنْ لِلمُتَحَجِّرِ عُذْرٌ في تَرْكِ العِمَارَةِ، قيل له: إمَّا أن تُعَمِّرَ، وإما أن تَرْفَعَ يَدَكَ، فإن لم يُعَمِّرْهَا، كان لغيرِه عِمَارَتُها، فإن لم يُقَلْ له شيءٌ، واسْتَمَرَّ تَعْطِيلُها، فقد ذَكَرْنا عن عمرَ رَضِى اللَّه عنه، أنَّ مَنْ تَحَجَّرَ أرْضًا فَعَطَّلَها ثَلَاثَ سِنِينَ، فجاءَ قَوْمٌ فعَمَرُوهَا، فهم أحَقُّ بها. ومذهبُ الشّافِعِىِّ في هذا كلِّه نحوُ ما ذَكَرْنا.

فصل: وللإِمَام إقْطاعُ المَوَاتِ لمن يُحْيِيه، فيكونُ بِمَنْزِلَةِ المُتَحَجِّرِ الشارِعِ في الإِحْياءِ؛ لما رُوِىَ أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أقْطَعَ بِلَالَ بن الحارثِ العَقِيقَ أجْمَعَ، فلما كان عمرُ قال لِبِلَالٍ: إن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يُقْطِعْكَ لِتَحِيزَهُ عن النَّاسِ، إنَّما أقْطَعَكَ لِتُعَمِّرَ، فَخُذْ منها ما قَدَرْتَ على عِمَارَتِه، ورُدَّ الباقِى. رَوَاه أبو عُبَيْدٍ، في "الأمْوالِ" (٢٩).


(٢٨) سقط من: ب، م.
(٢٩) في: باب الإقطاع، من كتاب أحكام الأرضين. الأموال ٢٧٣.
كما أخرجه البيهقي، في: باب من أقطع قطيعة أو تحجر أرضا. . .، من كتاب إحياء الموات. السنن الكبرى ٦/ ١٤٩. وانظر ما تقدم في صفحة ١٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>