تنطَّعْتَ في الشَّهادَةِ. وهذا بمَحْضَرٍ من عُلَماءِ الصحابةِ وسَادَتِهم، ولم يُنْكَرْ، فكان إجْماعًا. ولأنَّه يَكْفِى في الشَّهادَةِ عليه أنَّه شَرِبَها، ولا يتَقيَّأُها أو لا يَسْكَرُ منها حتى يَشْرَبَها.
فصل: وأمَّا البَيِّنَةُ، فلا تكونُ إلَّا رجلَيْن عَدْلَيْن مُسلِمَين، يشْهدانِ أنَّه مُسْكِرٌ، ولا يحْتاجانِ إلى بيانِ نَوْعِه؛ لأنَّه لا ينقَسِمُ إلى ما يوجبُ الحَدَّ وإلى ما لا يوجِبُه، بخلافِ الزِّنَى، فإنَّه يُطْلَقُ على الصَّرِيحِ وعلى دواعِيه، ولهذا قال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ، واليَدَانِ تَزْنِيَانِ، والْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذلك أو يُكَذِّبُه"(٣٤). فلهذا احتاجَ الشَّاهدانِ إلى تَفْسيرِه، وفي مسألتِنا لا يُسَمَّى غيرُ المُسْكِرِ مُسْكِرًا، فلم يفْتَقِرْ إلى ذِكْرِ نَوْعِه. ولا يَفْتَقِرُ في الشَّهادَةِ إلى ذكْرِ عَدَمِ الإِكْراهِ، ولا ذِكْرِ عِلْمِه أنَّه مُسْكِرٌ؛ لأنَّ الظاهرَ الاختيارُ والعلمُ، وما عداهما نادِرٌ بعيدٌ، فلم يَحْتَجْ إلى بيانِه، ولذلك لم يُعْتَبَرْ ذلك في شيءٍ من الشَّهاداتِ، ولم يَعْتَبِرْهُ عثمانُ في الشَّهادةِ على الوليدِ بنِ عُقْبةَ، ولا اعْتَبرَه عمرُ في الشَّهادَةِ على قُدامةَ بنِ مَظْعونٍ، ولا في الشَّهادةِ على المُغيرةِ بنِ شُعْبةَ، ولو شَهِدا بِعِتْقٍ أو طَلاقٍ، لم يفتَقِرْ إلى ذِكْرِ الاخْتيارِ، كذا ههُنا.
وهذا قولُ مالِكٍ، وأصْحابِ الرَّأْىِ. وبه قالَ الشَّافِعِىُّ إن لم يَزِدْ على الأربعين، وإن زادَ على الأربعين فماتَ، فعليه الضَّمانُ؛ لأنَّ ذلك تَعْزِيرٌ، إنَّما يفعلُه الإِمامُ برأْيِه، وفى قَدْرِ الضَّمانِ قَوْلان؛ أحدُهما، نصفُ الدِّيَةِ؛ لأنَّه تَلِفَ من فِعْلَيْن؛ مَضْمونٍ، وغيرِ
(٣٤) أخرجه البخاري، في: باب زنى الجوارح دون الفرج، من كتاب الاستئذان، وفى: باب: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ}. . ., من كتاب القدر. صحيح البخاري ٨/ ٦٧، ١٥٦. ومسلم، في: باب قدر على ابن آدم حظه من الزنى. . ., من كتاب القدر صحيح مسلم ٤/ ٢٠٤٦، ٢٠٤٧. وأبو داود، في: باب فيما يؤمر به من غض البصر، من كتاب النكاح. سنن أبي داود ١/ ٤٩٦. والإِمام أحمد، في: المسند ٢/ ٢٧٦، ٣١٧، ٣٢٩, ٣٤٣، ٣٤٤.