للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يكُنْ له الفَسْخُ؛ لِتَعَذُّرِ الاسْتِيفَاءِ، سواءٌ عَلِمَ أو لم يَعْلَمْ. ولأنَّه لا يَسْتَحِقُّ المُطَالَبةَ بِثَمَنِها، فلا يَسْتَحِقُّ الفسْخَ لِتَعَذُّرِه، كما لو كان ثَمَنُها مُؤَجَّلًا. ولأنَّ العَالِمَ بالعَيْبِ دَخَلَ على بَصِيرَةٍ بِخَرَابِ الذِّمَّةِ، فأشْبَه من اشْتَرَى مَعِيبًا يَعْلَمُ عَيْبَه. وفيه وَجْهٌ آخَرُ، أنَّ له الخِيَارَ؛ لِعُمُومِ الخَبَرِ، ولأنَّه عَقَدَ عليه وَقْتَ الفَسْخِ، فلم يَسْقُطْ حَقُّه من الفَسْخِ، كما لو تَزَوَّجَتِ امْرأَةٌ فَقِيرًا مُعْسِرًا بِنَفَقَتِها. وفيه وَجْهٌ ثالِثٌ، إن بَاعَهُ عَالِمًا بِفَلَسِه فلا فَسْخَ له، وإن لم يَعْلَمْ فله الفَسْخُ، كَمُشْتَرِى المَعِيبِ. ويُفارِقُ المُعْسِرَ بالنَّفَقَةِ؛ لكَوْنِ النَّفَقَةِ يَتَجَدَّدُ وُجُوبُها كلَّ يومٍ، فالرِّضَى بالمُعْسِرِ بها رِضًى بِعَيْبِ ما لم يَجِبْ، بخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، وإنَّما يُشْبِهُ هذا إذا تَزَوَّجَتْ (٧) مُعْسِرًا بالصَّدَاقِ. وسَلَّمَتْ نَفْسَها إليه، ثم أرَادَتِ الفَسْخَ.

فصل: ومَن اسْتَأْجَرَ أرْضًا لِيَزْرَعَها، فأَفلَسَ قبلَ مُضِىِّ شىءٍ من المُدَّةِ، فَلِلْمُؤْجِرِ فَسْخُ الإجارَةِ؛ لأنَّه وَجَدَ عَيْنَ مَالِه، وإن كان بعدَ انْقِضاءِ المُدَّةِ، فهو غَرِيمٌ بالأُجْرَةِ. وإن كان بعدَ مُضِىِّ بعضِها، لم يَمْلِكِ الفَسْخَ فى قِيَاسِ قَوْلِنا فى المَبِيعِ إذا تَلِفَ بعضُه، فإنَّ المُدَّةَ هاهُنا كالمَبِيعِ، ومُضِىُّ بَعْضِها كَتَلَفِ بعضِه، لكن يُعتَبرُ مُضِىُّ مُدَّةٍ لِمثْلِها أُجْرَةٌ؛ لأنَّه لا يُمكِنُ التَّحَرُّزُ عن مُضِىِّ جُزْءٍ منها بحالٍ. وقال القاضِى، فى مَوْضِعٍ آخَرَ: من اكْتَرَى أرْضًا فزَرَعَها، ثم أفْلَسَ، ففَسَخَ صَاحِبُ الأرْضِ، فعليه تَبْقِيَةُ زَرْعِ المُفْلِسِ إلى حينِ الحَصَادِ بِأَجْرِ مثلِه؛ لأنَّ المَعْقُودَ عليه المَنْفَعَةُ، فإذا فَسَخَ العَقْدَ، فَسَخَه فيما مَلَكَ عليه بالعَقْدِ، وقد تَعَذَّرَ رَدُّها عليه، فكان عليه عِوَضُها، كما لو فَسَخَ البَيْعَ بعدَ أن أتْلَفَ المَبِيعَ، فله قِيمَتُه، ويَضْرِبُ بذلك مع الغُرَمَاءِ، كذا هاهُنا، ويَضْرِبُ مع الغُرَمَاءِ بأجْرِ المِثْلِ دونَ المُسَمَّى. وهذا مذهبُ الشَّافِعِىِّ، وهذا لا يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُنا، ولا يَشْهَدُ لِصِحَّتِه الخَبَرُ، وَلا يَصِحُّ فى النَّظرِ؛ أمَّا الخَبَرُ، فلأنَّ النَّبىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنَّما قال: "مَنْ أَدْرَكَ


(٧) فى م: "تزوجته".

<<  <  ج: ص:  >  >>