للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه ولا دِيةَ؛ لما رُوِيَ عن عمرَ، رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّه كان يومًا يتَغَدَّى، إذْ جاءَه رجلٌ يَعْدُو، وفي يَدِه سيفٌ مُلَطَّخٌ بالدَّمِ، وورَاءَه قومٌ يَعْدُونَ خَلْفَه، فجاء حتى جَلَسَ مع عمرَ، فجاء الآخَرُون، فقالوا: يا أميرَ المؤمنينَ، إنَّ هذا قَتَلَ صاحِبَنَا. فقال له عمرُ: ما يقولون؟ فقال: يا أميرَ المؤمنينَ، إنِّي ضَرَبْتُ فَخِذَيِ امْرَأتِي، فإن كان بينهما أحَدٌ فقد قَتَلْتُه. فقال عمرُ: ما يقولُ؟ قالوا: يا أميرَ المؤمنين، إنَّه ضَرَبَ بالسَّيْفِ، فوَقَعَ في وَسطِ [الرَّجُلِ و] (٣١) فَخِذَيِ المرأةِ. فأخَذَ عمرُ سَيْفَه فهَزَّه، ثم دَفَعَه إليه، وقال: إن عادُوا فَعُدْ. روَاه سعيدٌ في "سُنَنِه" (٣٢). ورُوِيَ عن الزُّبَيْرِ، أنَّه كان يومًا قد تَخَلَّفَ (٣٣) عن الجَيْشِ، ومعه جاريةٌ له، فأتاهُ رَجُلانِ فقالا: أَعْطِنَا شيئًا. فأَلْقَى إليهما طعامًا كان معه، فقالا: خَلِّ عن الجاريةِ. فضَرَبَهما بسَيْفِه، فقَطَعَهما بضربةٍ واحدةٍ (٣٤). ولأنَّ الخَصْمَ اعْتَرفَ بما يُبِيحُ قَتْلَه، فسَقَطَ حَقُّه، كما لو أقَرَّ بقَتْلِه قِصاصًا، أو في حَدٍّ يُوجِبُ قَتْلَه. وإن ثَبَتَ ذلك بِبَيِّنَةٍ، فكذلك.

١٤١٨ - مسألة؛ قال: (وشِبْهُ الْعَمْدِ مَا ضَرَبَهُ بِخشَبةٍ صَغِيرَةٍ، أوْ حَجَرٍ صَغِيرٍ، أوْ لَكَزَهُ، أو فَعَلَ بِهِ فِعْلًا، الأَغْلَبُ مِنْ ذلِك الْفِعْلِ أنَّهُ لَا يَقْتُلُ مِثْلُهُ، فَلَا قَوَدَ فِي هذَا، والدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ).

شِبْهُ العَمْدِ أحدُ أقسامِ القَتْلِ، وهو أن يَقْصِدَ ضَرْبَه بما لا يَقْتُلُ غالِبًا؛ إمَّا لِقَصْدِ العُدْوانِ عليه، أو لقَصْدِ التَّأْدِيبِ له، فيُسْرِفُ فيه، كالضَّرْبِ بالسَّوْطِ، والعَصَا، والحَجَرِ الصَّغِيرِ، والوَكْزِ باليَدِ (١)، وسائرُ ما لا يَقْتُلُ غالبًا إذا قَتَلَ، فهو شِبْهُ عَمْدٍ؛ لأنَّه قَصَدَ الضَّرْبَ دُونَ القَتْلِ، ويُسَمَّى عَمْدَ الْخَطإِ وخَطَأَ العَمْدِ؛ لاجْتِماعِ العَمْدِ


(٣١) سقط من: ب، م.
(٣٢) لم نجده فيما بين أيدينا من سنن سعيد. وانظر: إرواء الغليل ٧/ ٢٧٤.
(٣٣) في ب: "خلف".
(٣٤) انظر: الأخبار الموفقيات ٣٨٢.
(١) في ب، م: "واليد".

<<  <  ج: ص:  >  >>