للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودُخُولِ (١٤) القُرْعَةِ فيها، ولُزُومِها بها، والإِجْبارِ عليها، وأنَّها لا تَفْتَقِرُ إلى لَفْظِ بَيْعٍ ولا تَمْلِيكٍ، ولا يَدْخُلُها خِيارٌ، ولا تَجُوزُ إلَّا بِقَدْرِ الحَقَّيْنِ، ولا يَثْبُتُ فيها شُفْعَةٌ، وتَخْتَصُّ باسْمٍ. وتَغَايُرُ الأَحْكامِ والأَسْماءِ دَلِيلٌ على اخْتِلافِهِما. وَرُوِىَ عن ابنِ عَبّاسٍ، أنَّه قال: قَسَمتِ الصَّحابَةُ رَضِىَ اللهُ عنهم الغَنائِمَ بالحَجَفِ (١٥). وذلك كَيْلُ الأَثْمانِ بِمَحْضَرٍ من جَماعَةٍ كَثِيرَةٍ منهم، وانْتَشَرَ فى بَقِيَّتِهِم فلم يُنْكَرْ، فصارَ إجْماعًا على ما قُلْناهُ.

فصل: فى مَعْرِفَةِ المَكِيلِ والمَوْزُونِ، والمَرْجِعُ فى ذلك إلى العُرْفِ بالحِجازِ فى عَهْدِ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وبهذا قال الشَّافِعِىُّ. وحُكِىَ عن أبى حنيفةَ: أنَّ الاعْتِبارَ فى كل بلدٍ بِعادَتِه. ولنا، ما رَوَى عبدُ اللهِ بن عمرَ، عن النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أنَّه قال: "المِكْيالُ مِكْيالُ المَدِينَةِ، والمِيزَانُ مِيزَانُ مَكَّةَ" (١٦). والنَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما يُحْمَلُ كَلامُه على بَيانِ الأحْكامِ؛ لأنَّ ما كان مَكِيلًا بالحِجازِ فى زَمنِ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، انْصَرَفَ التَّحْرِيمُ فى تَفاضُلِ الكَيْلِ إليه، فلا يجوزُ أن يَتَغَيَّرَ بعد ذلك، وهكذا المَوْزُونُ، وما لا عُرْفَ له بالحِجازِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ؛ أحدُهما، يُرَدُّ إلى أَقْرَبِ الأشْياءِ شِبْهًا به بالحِجازِ، كما أنَّ الحَوَادِثَ تُرَدُّ إلى أَشْبَهِ المَنْصُوصِ عليه بها، وهو القِياسُ. والثانى، يُعْتَبَرُ عُرْفُه فى مَوْضِعِه، فإن لم يَكُنْ له فى الشَّرَعِ حَدٌّ كان المَرْجِعُ فيه إلى العُرْفِ، كالقَبْضِ، والإِحْرازِ (١٧)، والتَّفَرُّقِ، وهذا قولُ أبى حنيفةَ. وعلى هذا إنِ اخْتَلَفَتِ البلادُ، فالاعْتِبارُ بالغالِبِ، فإن لم يَكُنْ غالِبٌ بَطَلَ هذا الوَجْهُ، وتَعَيَّنَ الأوَّلُ. ومَذْهَبُ الشَّافِعِىِّ على هذينِ الوَجْهَيْنِ، فَالبُرُّ، والشَّعِيرُ مَكِيلانِ


(١٤) فى م: "ودخوله".
(١٥) الحجف: التروس والصدور من جلود بلا خشب ولا عقب وواحدتها حجفة.
(١٦) أخرجه أبو داود، فى: باب فى قول النبى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: المكيال مكيال المدينة، من كتاب البيوع. سنن أبى داود ٢/ ٢٢٠. والنسائى، فى: باب كم الصاع، من كتاب الزكاة، وباب الرجحان فى الوزن، من كتاب البيوع. المجتبى ٥/ ٤٠، ٧/ ٢٥٠.
(١٧) فى الأصل: "الحرز".

<<  <  ج: ص:  >  >>