للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القسم الثانى، أنْ يكونَ المَبِيعُ من المُتَماثِلاتِ التى يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عليها بالأجْزاءِ، كالبُرِّ والشَّعِيرِ المُتَساوِى، فيَجُوزُ بَيْعُ بعضِه مُرابَحةً بقِسْطِه من الثَّمَنِ. وبهذا قال أبو ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرَّأى. ولا نَعْلَمُ فيه خِلافًا؛ لأنَّ ثَمَنَ الجُزْءِ مَعْلُومٌ يَقِينًا، ولذلك جازَ بَيْعُ قَفِيزٍ من الصُّبْرَةِ. وإنْ أسْلَم فى ثَوْبَيْنِ بصِفَةٍ واحدةٍ، فأخَذَهما على الصِّفَةِ، وأرادَ بَيْعَ أحَدِهِما مُرابَحَةً بحِصَّتِه من الثَّمَنِ، فالقِياسُ جَوازُه؛ لأنَّ الثَّمَنَ يَنْقَسِمُ عليهما نِصْفَيْنِ، لا بِاعْتِبارِ القِيمَةِ. وكذلك لو أقالَه فى أحَدِهِما، أو تَعَذَّرَ تَسْلِيمُه، كان له نِصْفُ الثَّمَنِ، من غير اعْتِبارِ قِيمَةِ المَأْخُوذِ منهما، فكأنَّه أخَذَ كلَّ واحِدٍ منهما مُنْفَرِدًا. ولأنَّ الثَّمَنَ وَقَعَ عليهما مُتَساوِيًا لِتَساوِى صِفَتِهِما فى الذِّمَّةِ، فهما كَقَفِيزَيْنِ من صُبْرَةٍ. وإنْ حَصَلَ فى أحَدِهما زِيادَةٌ على الصِّفَةِ، جَرَتْ مجْرَى الحادِثِ بعد البَيْعِ.

فصل: وإن اشْتَرَى شَيْئًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، لم يَجُزْ بَيْعُه مُرابَحَةً، حتى يُبَيِّنَ ذلك. وإن اشْتَراه من أبِيه، أو ابْنِه، أو مِمَّن لا تُقْبَلُ شَهادَتُه له، لم يَجُزْ بَيْعُه مُرابَحَةً، حتى يُبَيِّنَ أمْرَه. وبهذا قال أبو حنيفةَ. وقال الشَّافِعِىُّ، وأبو يوسفَ، ومحمدٌ: يجوزُ من غير بَيانٍ؛ لأنَّه أخْبَرَ بما اشْتَراه عَقْدًا صَحِيحًا، فأشْبَهَ ما لو اشْتَراه من أجْنَبِىٍّ. ولَنا، أنَّه مُتَّهَمٌ فى الشِّراءِ منهم؛ لكَوْنِه يُحابِيهِم، ويَسْمَحُ لهم، فلم يَجُزْ أن يُخْبِرَ بما اشْتَراه منهم مُطْلَقًا، كما لو اشْتَرَى من مُكاتَبِه، وفارَقَ الأجْنَبِىَّ؛ فإنَّه لا يُتَّهَمُ فى حَقِّه. وقِياسُهُم يَبْطُلُ بالشِّراءِ من مُكاتَبِه؛ فإنَّه لا يَجوزُ له بَيْعُ ما اشْتَراه من مُكاتَبِه مُرابَحَةً، حتى يُبَيِّنَ أمْرَه، ولا نَعْلَمُ فيه خِلافًا. وإن اشْتَراه من غُلامِ دُكَّانِه الحُرِّ، فقال القاضِى: إذا باعَه سِلْعةً، ثم اشْتَراها منه بأكْثَرَ من ذلك، لم يَجُزْ بَيْعُه مُرابَحَةً حتى يُبَيِّنَ [أمْرَه، ولا نَعْلَمُ فيه خِلافًا] (٧). ولأنَّه مُتَّهَمٌ فى حَقِّه، فأشْبَه من لا تُقْبَلُ شَهادَتُه له. وقال أبو الخَطَّابِ: إنْ فَعَلَ ذلك حِيلَةً، لم يَجُزْ.


(٧) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>