للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن أَيْسَرَ بعدَ حُلُولِ الحَقِّ، طُولِبَ بالدَّيْنِ خاصَّةً، لأنَّ ذِمَّتَه تَبْرَأُ به مِن الحَقَّيْنِ معا، والاعْتِبَارُ بِقِيمَةِ العَبْدِ حالَ الإِعْتَاقِ، لأنَّه حَالُ الإِتْلَافِ. وبهذا قال الشَّافِعِيُّ، وقال أبو حنيفة، في المُعْسِرِ: يَسْتَسْعِى العَبْدَ في قِيمَتِه، ثم يَرْجِعُ على الرَّاهِنِ. وفيه إيجَابُ الكَسْبِ على العَبْدِ، ولا صُنْعَ له، ولا جِنَايَةَ منه، وإِلْزَامُ الغُرْمِ لمن وُجِدَ منه الإِتْلَافُ أَوْلَى، كحالِ اليَسَارِ، وكسائِرِ الإِتْلَافِ.

فصل: وإن أَعْتَقَهُ بإذْنِ المُرْتَهِنِ، فلا نَعْلَمُ خِلَافًا في نُفُوذِ عَتْقِه على كلِّ حالٍ؛ لأنَّ المَنْعَ كان لِحَقِّ المُرْتَهِنِ، وقد أَذِنَ، ويسْقُطُ (٢) حَقُّه من الوَثِيقَةِ مُوسِرًا كان المُعْتِقُ أو مُعْسِرًا، لأنَّه أَذِنَ فيما يُنَافِى حَقَّه، فإذا وُجِدَ، زَالَ حَقُّهُ، وقد رَضِىَ به لِرِضَاهُ بما يُنَافِيه، وإذْنِه فيه، فلم يَكُنْ له بَدَلٌ. فإن رَجَعَ عن الإِذْنِ قبلَ العِتْقِ، وعَلِمَ الرَّاهِنُ بِرُجُوعِه [كان كمَن لم يأْذَنْ، فإنْ عَلِمَ الرَّاهِنُ برُجُوعِه] (٣)، فأَعْتَقَ، ففيه وَجْهانِ، بنَاءً على عَزْلِ الوَكِيلِ بدُونِ عِلْمِه. وإن رَجَعَ بعدَ العِتْقِ، لم يَنْفَعْ رُجُوعُه، والقولُ قولُ المُرْتَهِنِ مع يَمِينِه؛ لأنَّ الأصْلَ عَدَمُ الإِذْنِ. ولو اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَوَرَثَةُ المُرْتَهِنِ، فالقولُ قولُ وَرَثَةِ المُرْتَهِنِ أيضا، إلَّا أنَّ أيْمَانَهُم على نَفْى العِلْمِ، لأنَّها على فِعْلِ الغيرِ. وإن اخْتَلَفَ المُرْتَهِنُ وَوَرَثَةُ الرَّاهِنِ، فالقولُ قولُ المُرْتَهِنِ مع يَمِينهِ، وإن لم يَحْلِفْ، قُضِىَ عليه بالنُّكُولِ.

فصل: وإن تَصَرَّفَ الرَّاهِنُ. بغير العِتْقِ، كالبَيْعِ، والإِجَارَةِ، والهِبَةِ، والوَقْفِ، والرَّهْنِ، وغيرِه، فتَصَرُّفُه باطِلٌ؛ لأنَّه تَصَرُّفٌ يُبْطُل حَقَّ المُرْتَهِنِ مِن الوَثِيقَةِ، غيرُ مَبْنِيٍّ على التَّغْلِيبِ والسِّرَايَةِ، فلم يَصِحَّ بغيرِ إذْنِ المُرْتَهِنِ، كَفَسْخِ الرَّهْنِ. فإن أذِنَ فيه المُرْتَهِنُ، صَحَّ، وبَطَلَ الرَّهْنُ؛ لأنَّه أَذِنَ فيما يُنَافِى حَقَّه، فيَبْطُلُ بِفِعْلِه، كالعِتْقِ. وإن زَوَّجَ الأمَةَ (٤) المَرْهُونَةَ، لم يَصِحَّ. وهذا اخْتِيَارُ


(٢) في م: "فيسقط".
(٣) سقط من: م.
(٤) في أ، م: "الأم".

<<  <  ج: ص:  >  >>