للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جماعةٍ من أصحابِنا، ومذهبُ أبى عُبَيْدٍ. وقال مالكٌ كقَوْلِ أصحابِنا، فيما عَدَا الجِرَاحَ، وكقولِ الباقِينَ فى الجِراحِ احْتياطًا للدِّماءِ. واحْتجَّ أصْحابُنا بما روَى أبو داودَ (٣٢)، فى "سُنَنِه"، عن أبى هُرَيْرةَ، عن النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أنَّه قال: "لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ بَدَوِىٍّ عَلَى (٣٣) صَاحِبِ قَرْيَةٍ". ولأنَّه مُتَّهَمٌ، حيثُ عَدَلَ عن أنْ يُشْهِدَ قَرَويًّا ويُشْهدَ بَدَوِيًّا. قال أبو عُبَيْدٍ: ولا أرَى شهادتَهم رُدَّتْ إلَّا لِمَا فيهم من الجَفاءِ بحُقوقِ اللهِ تعالى، والجَفاءِ فى الدِّينِ. ولَنا، أنَّ مَن قُبلَتْ شهادتُه، على أهل البَدْوِ، قُبلَتْ شهادتُه على أهلِ [القَرْيَةِ، كأهلِ القُرَى، ويُحْمَلُ الحديثُ على مَن لم (٣٤) تُعْرَفْ عدالَتُه مِن أهلِ] (٣٥) البَدوِ، ونَخُصُّه بهذا؛ لأنَّ الغالِبَ أنَّه لا يكونُ له مَن يسْألُه الحاكمُ، فيَعرِفُ عَدالتَه.

١٨٩٠ - مسألة؛ قال: (وَالْعَدلُ مَنْ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ رِيبَةٌ. وَهَذَا قَوْلُ (١) إبْرَاهِيمَ النَّخعِىِّ، وَإسْحَاقَ)

وجملَتُه أنَّ العَدْلَ هو الذى تَعْتدِلُ أحْوالُه فى دِينِه وأفْعالِه. قال القاضى: يكونُ ذلك فى الدِّين والمُروَءةِ والأحْكامِ. أمَّا الدِّينُ [فأن لا] (٢) يَرْتَكبَ كَبيرةً، ولا يُداوِمَ على صَغيرةٍ، فإنَّ اللهَ تعالى نَهَى (٣) أنْ (٤) تُقْبَلَ شَهادةُ القَاذِفِ، فيُقاسُ عليه كلُّ مُرْتكِبِ كبيرةٍ، ولا يُخْرِجُه عن العَدالةِ فِعلُ صَغيرَةٍ؛ لقولِ اللهِ تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} (٥). قل: اللَّمَمُ صِغارُ الذّنوبِ. ولأنَّ التَّحرُّزَ منها غيرُ مُمْكِنٍ، جاءَ عنِ


(٣٢) فى: باب شهادة البدوى على أهل الأمصار، من كتاب الأقضية. سنن أبى داود ٢/ ٢٧٥.
كما أخرجه ابن ماجه، فى: باب من لا تجوز شهادته، من كتاب الأحكام. سنن ابن ماجه ٢/ ٧٩٣.
(٣٣) فى أ، ب، م: "عن".
(٣٤) فى الأصل: "لا".
(٣٥) سقط من: أ. نقل نظر.
(١) فى الأصل: "مذهب".
(٢) فى ب، م: "فلا".
(٣) فى م: "أمر".
(٤) فى م زيادة: "لا".
(٥) سورة النجم ٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>