للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليس هذا مَذْهَبًا لأحمدَ. ولَنا، قولُ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، في حَدِيثِ زَيْدِ بن خالِدٍ (٤): "فَإنْ لَمْ تُعْرَفْ، فَاسْتَنْفِقْها". وفى لَفْظٍ: "وإلَّا فَهِىَ كَسَبِيلِ مَالِكَ". وفى لَفْظٍ: "ثُمَّ كُلْهَا". وفى لَفْظٍ: "فَانْتَفِعْ بِهَا". وفى لَفْظٍ: "فَشَأْنَكَ بِهَا". وفي حَدِيثِ أُبَىِّ بن كَعْبٍ (٥): "فَاسْتنْفِقْها". وفى لَفْظٍ: "فَاسْتَمْتِعْ بها". وهو حَدِيثٌ صَحِيحٌ (٦). ولأنَّ من مَلَكَ بالقَرْضِ (٧) مَلَكَ باللُّقَطَةِ كالفَقِير، ومن جازَ له الالْتِقاطُ مَلَكَ به بعدَ التَّعْرِيفِ، كالفَقِيرِ. وحَدِيثُهُم عن أبِى هُرَيْرَةَ لم يَثْبُتْ، ولا نُقِلَ في كِتَابٍ يُوثُقُ به. ودَعْوَاهُم في حَدِيثِ عِيَاضٍ أنَّ ما يُضَافُ إلى اللهِ لا يَتَمَلَّكُه إلَّا مَنْ يَسْتَحِقُّ الصَّدَقَةَ. لا بُرْهَانَ لها، ولا دَلِيلَ عليها، وبُطْلَانُها ظاهِرٌ؛ فإنَّ الأشياءَ كلَّها تُضَافُ إلى اللهِ تعالى خَلْقًا ومِلْكًا، قال اللهُ تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} (٨).

فصل: وتَدْخُلُ اللُّقَطَةُ في مِلْكِه عند تَمَامِ التَّعْرِيفِ حُكْمًا، كالمِيرَاثِ. هذا ظاهِرُ كَلَامِ الخِرَقِىِّ؛ لقوله: "وإلَّا كانت كسَائِر مالِه". وكذلك قال أحمدُ، في رِوَايةِ الجَماعةِ: إذا جاء صاحِبُها، وإلَّا كانت كسَائِرِ مالِه. واخْتارَ أبو الخَطَّابِ أنَّها لا تَدْخُلُ في مِلْكِه حتى يَخْتارَ. واخْتَلَفَ أصْحابُ الشافِعِىِّ؛ فمنهم مَن قال كَقَوْلِنا، ومنهم من قال: يَمْلِكُها بالنِّيّةِ. ومنهم من قال: يَمْلِكُها بقَوْلِه: اخْتَرْتُ تَمَلُّكَها. ومنهم من قال: لا يَمْلِكُها إلَّا بِقَوْلِه، والتَّصَرُّفِ فيها؛ لأنَّ هذا تَمَلُّكٌ (٩) بِعِوَضٍ؛ فلم يَحْصُلْ إلَّا بِاخْتِيارِ المُتَمَلِّكِ، كالشِّرَاءِ. ولَنا، قولُ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فَإذَا جَاءَ


(٤) تقدم تخريج حديثه في صفحة ٢٩٠.
(٥) تقدم تخريج حديثه في صفحة ٢٩٢.
(٦) انظر لمواضع هذه الألفاظ: إرواء الغليل ٦/ ٢١، ٢٢.
(٧) في الأصل: "بالفرض".
(٨) سورة النور ٣٣.
(٩) في م: "تمليك".

<<  <  ج: ص:  >  >>