للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظُلْمًا، لَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ" (٢٧). وهو حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقد رُوِىَ فى حديثٍ: أَنَّ يَمِينَ الغَمُوسِ تَذَرُ الدِّيارَ بَلاقعَ (٢٨). ويُسْتحَبُّ للحاكمِ أن يُخوِّفَ المُدَّعَى عليه من اليَمِينِ الفاجِرَةِ، ويَقْرأ عليه الآيةَ والأخْبارَ.

فصل: ومَنِ ادُّعِىَ عليه دَينٌ وهو مُعْسِرٌ به، لم يَحِلَّ له أن يحْلِفَ أنَّه لا حَقَّ له علىَّ، وبهذا قالَ المُزَنِىُّ. وقال أبو ثَوْرٍ: له ذلك؛ لأنَّ اللَّه تعالى قال: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (٢٩). ولأنَّه لا يَسْتحِقُّ مُطالبتَه به فى الحالِ، ولا يَجبُ عليه أداؤُه إليه، ولنا، أَنَّ الدَّينَ فى ذِمَّتِه، وهو حقٌّ له عليه، ولو لم يَكُنْ عليه حقٌّ، لم يَجِبْ إنْظارُه به.

فصل: ويَمينُ الحالفِ على حَسَبِ جَوابِه، فإذا ادَّعَى عليه أنَّه غصَبَه، أو اسْتَودَعَه وَديعة، أو اقترضَ منه، نَظرنا فى جوابِ المُدَّعَى عليه؛ فإنْ قالَ: ما غصَبْتُكَ، ولا استودَعْتَنى، ولا أقرضْتَنى. كُلِّفَ أن يَحْلِفَ على ذلك. فإن قال: ما لَكَ علىَّ حقٌّ، أو لا تَسْتحِقُ علىَّ شيئًا، أو لا تَسْتحِقُّ علىَّ ما ادَّعَيْتَه، ولا شَيئًا منه. كان جَوابًا صحيحًا. ولا يُكلَّفُ الجوابَ عن الغَصْبِ والوَديعةِ والقَرْضِ؛ لأنَّه يجوزُ أن يكونَ غصَبَ منه ثم رَدَّه عليه، فلو (٣٠) جَحَدَ ذلك كان كاذبًا، وإن أقر به، ثم ادَّعَى الرَّدَّ، لم يُقبَلْ منه، فإذا طُلِبَ منه اليَمينُ، حَلَفَ على حَسَبِ ما أجابَ. ولو ادَّعَى أنِّى ابْتَعْتُ منك الدارَ التى فى يَدِك، فأنْكَرَه، وطلبَ يَمِينَه، نظرْنا فى جوابِه؛ فإن أجابَ بأنَّكَ لا تَسْتحِقُّها. حلَفَ على ذلك، ولم يَلْزَمْه أن يحْلِفَ أنَّه ما ابْتاعَها؛ لأنَّه قد يَبْتاعُها منه ثم يَردُّها عليه. وإن أجابَ بأنَّك [لم] (٣١) تَبْتَعْها منِّى. حَلَفَ على ذلك. قال أحمدُ، فى رجلٍ ادَّعَى على رجلٍ أنَّه أوْدَعَه، فأنْكَرَه، هل يَحْلِفُ: ما أوْدَعْتَنى؟ قال: إذا حَلَفَ: ما لَكَ عندى شىءٌ، ولا لَكَ فى يدى شىءٌ. فهو يأتِى على ذلك. وهذا يدُلُّ على أنَّه لا يَلْزَمُه الحَلِفُ على حَسَبِ الجوابِ، وأنَّه متى حلَفَ: ما لَكَ قِبَلى حقٌّ. بَرِئ بذلك. ولأصْحابِ الشافعىِّ وَجْهان، كهذَيْنِ.


(٢٧) تقدم تخريجه، فى: صفحة ٣٢.
(٢٨) كنز العمال ١٦/ ٦٩٦، ٦٩٧.
(٢٩) سورة البقرة ٢٨٠.
(٣٠) فى ب، م زيادة: "كلف".
(٣١) تكملة يصح بها السياق.

<<  <  ج: ص:  >  >>