للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّه لم يَأْمُرْهُ بابْتِداءِ التَّحْرِيمةِ. قُلْنا: لأنَّ ما فَعَلَه قبلَ الرُّكُوعِ لا يُؤَثِّرُ، فإنَّ الإِمامَ يُحْرِمُ قبلَ المَأْمُومِينَ، ولا يَضُرُّ انْفِرَادُه بما قبلَ إحْرَامِهم، وكذلك المَأْمومون يُحْرِمُ أحَدُهم قبلَ البَاقِينَ فلا يَضُرُّ، ولا يَلْزَمُ من العَفْوِ عن ذلك العَفْوُ عن رَكْعَةٍ كامِلَةٍ. وقَوْلُهم: إنَّه مَوْقِفٌ إذا كان عن يَمِينِ الإِمامِ آخَرُ. قُلْنا: كَوْنُه مَوْقِفًا في صُورَةٍ لا يَلْزَمُ منه (١١) كَوْنُه مَوْقِفًا في أُخْرَى، كما خَلْفَ الصَّفِّ، فإنَّه مَوْقِفٌ لِاثْنَيْنِ، ولا يكونُ مَوْقِفًا لِوَاحِدٍ، فإن مَنَعُوا هذا أثْبَتْناهُ بِالنَّصِّ.

فصل: فإنْ وَقَفَ عن يَسَارِ إمامِه وخَلْفَ الإِمامِ صَفٌّ، احْتَمَلَ أنْ تَصِحَّ صلاتُه، لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- جَلَسَ في يَسَارِ أبي بكرٍ، وقد رُوِىَ أنَّ أبا بكرٍ كان الإِمامَ (١٢) ولأنَّ مع الإِمَامِ مَن تَنْعَقِدُ صلاتُه به، فَصَحَّ الوُقُوفُ عن يَسَارِه، كما لو كان معه عن يَمينِه آخَرُ، واحْتَمَلَ أنْ لا تَصِحَّ؛ لأنَّه لَيْس بمَوْقِفٍ إذا لم يكنْ صَفٌّ، فلم يكن مَوْقِفًا مع الصَفِّ كأمامِ الإِمامِ، وفارق ما إذا كان عن يَمينِه آخَرُ، لأنَّه معه في الصَّفِّ، فكان صَفًّا وَاحِدًا، كما لو (١٣) وَقَفَ معه خَلْفَ الصَّفِّ.

فصل: السُّنَّةُ أنْ يَقِفَ المَأْمومون خَلْفَ الإِمامِ، فإنَّ وَقَفُوا قُدَّامَهُ، لم تَصِحَّ، وبهذا قال أبو حَنِيفَةَ والشَّافِعِىُّ. وقال مالِكٌ، وإسْحاقُ: تَصِحُّ؛ لأنَّ ذلك لا يَمْنَعُ الاقْتِداءَ به، فأشْبَهَ مَن خَلْفَه. ولَنَا، قولُه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ" (١٤). ولأنَّه يَحْتاجُ في الاقْتِداءِ إلى الالْتِفاتِ إلى وَرَائِه، ولأنَّ دلك لم يُنْقَلْ عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا هو في مَعْنَى المَنْقُولِ. فلم يَصِحَّ، كما لو صَلَّى في بَيْتِه بصلاةِ


= مطولة. وأخرجه مسلم، في: باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، من كتاب المسافرين، وفى: باب حديث جابر الطويل. . . إلخ، من كتاب الزهد. صحيح مسلم ١/ ٥٣٢، ٤/ ٢٣٠٥.
(١١) في أ، م: "فيه".
(١٢) يأتى في المسألة ٢٦٠، صفحة ٦١.
(١٣) في أ، م زيادة: "كان".
(١٤) تقدم تخريجه في ٢/ ١٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>