للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّافِعِيُّ، في أَحَدِ قَوْلَيْه: يُقَدَّمُ الوَلِيُّ، قِيَاسًا على تَقْدِيمِه في النِّكَاحِ، بِجَامِعِ اعْتِبَار تَرْتِيبِ العَصَبَاتِ. وهو خِلَافُ قولِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا يَؤُمُّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ" (١). وحَكَى أبو حَازِمٍ، قال: شَهِدْتُ حُسَيْنًا حين ماتَ الحَسَنُ، وهو يَدْفَعُ في قَفَا سَعِيدِ بن العَاصِ، ويقول: تَقَدَّمْ، لولا السُّنَّةُ ما قَدَّمْتُكَ (٢). وسَعِيدٌ أمِيرُ المَدِينَةِ. وهذا يَقْتَضِى سُنَّةَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-. ورَوَى الإِمامُ أحمدُ، بإسْنَادِه عن عَمَّارٍ مَوْلَى بَنِى هَاشِمٍ، قال: شَهِدْتُ جِنَازَةَ أُمِّ كُلْثُومٍ بنت عليٍّ وزيدِ بن عمرَ، فَصَلَّى عليها سَعِيدُ بن الْعَاصِ، وكان أمِيرَ المَدِينَةِ، وخَلْفَه يَوْمَئِذٍ ثَمَانُونَ مِن أصْحابِ محمدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فيهم ابنُ عمرَ، والحسنُ، والحسينُ. وسَمَّى في مَوْضِعٍ آخَرَ زيدَ بن ثَابتٍ، وأبا هُرَيْرَةَ. وقال عليٌّ، رَضِىَ اللهُ عنه: الإِمَامُ أحَقُّ مَنْ صَلَّى على الجِنَازَةِ (٣). وعن ابنِ مسعودٍ نحوُ ذلك. وهذا اشْتَهَرَ فلم يُنْكَرْ، فكان إجْماعًا، ولأنَّها صَلَاةٌ شُرِعَتْ فيها الجَماعَةُ، فكان الإِمامُ أحَقَّ بالإِمامةِ فيها كسائِرِ الصَّلَوَاتِ، وقد كان النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُصَلِّى على الجَنَائِزِ، مع حُضُورِ أقَارِبِها، والخُلَفَاءُ بعدَه، ولم يُنْقَلْ إلينا أنَّهم اسْتَأْذَنُوا أوْلِياءَ المَيِّتِ في التَّقَدُّمِ عليها.

فصل: والأمِيرُ ها هُنا الإِمامُ، فإن لم يكنْ فالأمِيرُ مِن قِبَلِه، فإن لم يكنْ فَالنَّائِبُ من قِبَلِه في الإِمامَةِ، فإنَّ الحُسينَ قَدَّمَ سَعِيدَ بنَ الْعَاصِ، وإنَّما كان أمِيرًا مِن قِبَلِ مُعَاوِيَةَ، فإن لم يكنْ فالحاكِمُ.

٣٥٧ - مسألة؛ قال: (ثُمَّ الْأَبُ وَإنْ عَلَا، ثُمَّ الابْنُ وإنْ سَفَلَ، ثُمَّ أَقْرَبُ العَصَبَةِ).

الصَّحِيحُ في المذهبِ ما ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ، في أنَّ أوْلَى النَّاسِ بعدَ الأمِيرِ الأبُ، ثم


(١) تقدم تخريجه في صفحة ٤٢.
(٢) أخرجه عبد الرزاق، في: باب من أحق بالصلاة على الميت، من كتاب الجنائز. المصنف ٣/ ٤٧١، ٤٧٢.
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة، في: باب ما قالوا في تقدم الإِمام على الجنازة، من كتاب الجنائز. المصنف ٢/ ٢٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>