للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُضَعِّفَ لك الدِّيةَ، وتَعْفُوَ عنه؟ فأبَى، فرَفَعَهُما إلى عليٍّ، رَضِىَ اللهُ عنه، فدَعَا علىٌّ بمِرآةٍ فأحْماها، ثم وَضَعَ القُطْنَ على عيْنِه الأُخْرَى، ثم أخَذَ المرآةَ بكَلْبتَيْنِ، فأدْناها من عَيْنِه حتى سالَ إنسانُ عَيْنِه. وإن وَضَعَ فيها كافورًا يَذْهَبُ بضَوْئِها من غيرِ أن يَجْنِىَ على الحَدَقَةِ، جاز، وإن لم يُمْكِنْ إلَّا بالجِنايةِ على العُضْوِ، سَقَطَ القِصاصُ؛ لتَعَذُّرِ المُماثلةِ. وذكر القاضي أنَّه يَقْتَصُّ منه باللَّطْمةِ، فيَلْطِمُه المَجْنِىُّ عليه مثلَ لَطْمَتِه، فإن ذَهَبَ ضَوْءُ عَيْنِه، وإلَّا كان له أن يُذْهِبَه بما ذكَرْنا. وهذا مذهبُ الشافعىِّ. وهذا لا يَصِحُّ؛ فإنَّ اللَّطْمةَ لا يُقْتَصُّ منها مُنْفَرِدةً، فلا يُقْتَصُّ منها إذا سَرَتْ إلى العَيْنِ، كالشَّجَّةِ إذا (٦) كانت دُونَ المُوضِحَةِ، ولأنَّ اللَّطْمةَ إذا لم تكُنْ في العَيْنِ، لا يُقْتَصُّ منها بمثْلِها مع الأمْنِ من إفْسادِ العُضْوِ، ففى (٧) العينِ مع (٨) خَوْفِ ذلك أَوْلَى، ولأنَّه قِصاصٌ فيما دُونَ النَّفْسِ، فلم يَجُزْ بغيرِ الآلةِ المُعَدَّةِ له (٩)، كالمُوضِحَةِ. وقال القاضي: لا (١٠) يجبُ القِصاصُ، إلَّا أن تكونَ اللَّطمةُ تَذْهَبُ بذلك غالِبًا، فإن كانت لا تَذْهَبُ به غالبًا فذَهَبَ، فهو شِبْهُ عَمْدٍ لا قِصاصَ فيه. وهو قولُ الشافعىِّ؛ لأنَّه فِعْلٌ لا يُفْضِى إلى الفَوَاتِ غالبًا، فلم يَجِبْ به القِصاصُ، كشِبْهِ العَمْدِ في النَّفْسِ. وقال أبو بكرٍ: يجبُ القِصاصُ بكلِّ حالٍ؛ لعمومِ قوله: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ}. ولأنَّ اللَّطْمةَ إذا أسَالَتْ إنْسانَ العَيْنِ، كانت بمَنْزِلةِ الجُرْحِ، ولا يُعْتَبَرُ في الجُرْحِ الإِفْضاءُ إلى التَّلَفِ غالبًا.

فصل: فإن (١١) لَطَمَ عَيْنَه، فذَهَبَ بَصَرُها، وابْيَضَّتْ، وشَخَصَتْ، فإن أمْكَنَ مُعَالجةُ عَيْنِ الجانِى حتى يَذْهَبَ بصَرُها وتَبْيَضَّ وتَشْخَصَ، من غيرِ جِنايةٍ على الحَدَقةِ،


(٦) في م: "إن".
(٧) في م: "في"
(٨) في م: "فمع".
(٩) سقط من: ب، م.
(١٠) سقط من: الأصل.
(١١) في م: "فلو".

<<  <  ج: ص:  >  >>