للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بتَوْكِيلِه. ويَحْتَمِلُ أن يُحْمَلَ هذا على الاسْتِحْبابِ، ويكونُ قضاؤُه عنه جائزًا. وإن كان دافعُ الزكاةِ الإِمامَ، جاز أن يَقْضِىَ بها دَيْنَه من غيرِ تَوْكِيلِه؛ لأنَّ للإِمامِ ولايةً عليه فى إيفاءِ الدَّيْنِ، ولهذا يُجْبِرُه عليه إذا امْتَنَعَ منه. وإذا ادّعَى الرَّجلُ أَنَّ عليه دَيْنًا، فإن كان يَدَّعِيه من جِهَةِ إصْلاحِ ذات البَيْن، فالأمرُ فيه ظاهرٌ لا يكادُ يَخْفَى، فإنْ خَفِىَ ذلك، لم يُقْبَلْ منه إلَّا بِبَيِّنةٍ، وإن غَرِمَ لمَصلحةِ نَفْسِه، لم يُدْفَعْ إليه إلَّا ببَيِّنةٍ أيضًا؛ لأنَّ الأصلَ عَدَمُ الغُرْمِ، وَبراءةُ الذِّمَّةِ. فإن صَدَّقَه الغَرِيمُ، فعلى وَجْهَيْنِ، كالمُكاتَبِ إذا صَدَّقَه سَيِّدُه.

١٠٩٣ - مسألة؛ قال: (وسَهْمٌ فِى سَبِيلِ اللَّهِ، وَهُمُ الْغزَاةُ يُعْطَوْنَ مَا يَشْتَرُون بِهِ الدَّوَابَّ والسِّلَاحَ، ومَا يَتَقَوَّوْنَ (١) بِهِ على العَدُوِّ، وَإنْ كَانُوا أغْنِيَاءَ)

هذا الصِّنْفُ السَّابِعُ من أهلِ الزَّكاةِ. ولا خلافَ فى اسْتِحقاقِهِم، وبَقاءِ حُكْمِهِم. ولا خلافَ فى أنَّهم الغُزاةُ فى سَبِيلِ اللَّهِ؛ لأنَّ سبيلَ اللَّه عندَ الإِطْلاقِ هو الغَزْوُ، قال اللَّه تعالى: {وَقَاتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ} (٢). وقال: {وَتُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ} (٣). وقال: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِهِ صَفًّا} (٤). وذكر ذلك فى غيرِ موضعٍ من كتابِه، فإذا تَقَرَّرَ هذا، فإنَّهم يُعْطَوْنَ وإن كانوا أغْنِياءَ. وبهذا قال مالكٌ، والشافعىُّ، وإسْحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، وأبو عُبَيْدٍ، وابنُ المُنْذِرِ. وقال أبو حنيفةَ وصاحِبَاه: لا تُدْفَعُ إلَّا إلى فَقيرٍ. وكذلك قالوا فى الغارِمِ لإِصْلاحِ ذات البَيْنِ؛ لأنَّ من تجبُ عليه الزَّكاةُ لا تَحِلُّ له، كسائرِ أصْحابِ السُّهْمان، ولأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لمُعاذٍ: "أعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أغْنِيائِهِم، فَتُرَدُّ فِى فُقَرائِهِمْ" (٥). فظاهرُ هذا


(١) فى م: "ينفقون".
(٢) سورة البقرة ٢٤٤.
(٣) سورة الصف ١١. وفى النسخ: "ويجاهدون فى سبيله" خطأ.
(٤) سورة الصف ٤.
(٥) تقدم تخريجه فى: ١/ ٢٧٥، ٤/ ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>