للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العَجْلانىُّ: كَذَبْتُ عليها إن أمْسَكْتُها. المسألة الثانية، أنَّها تَحْرُمُ عليه باللِّعانِ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا، فلا تَحِلُّ له وإن أكْذَبَ نَفْسَه، فى ظاهرِ المذهبِ. ولا خِلافَ بين أهلِ العلمِ، فى أنَّه إذا لم يُكْذِبْ نَفْسَه لا تَحِلُّ له، إلَّا أَنَّ يكونَ قولًا شاذًّا، وأمَّا إذا أكْذَبَ نَفْسَه، فالذى رَوَاه الجماعةُ عن أحمدَ، أنَّها لا تَحِلُّ له أيضًا. وجاءت الأخْبارُ عن عمرَ بن الخطابِ، وعلىِّ بن أبى طالبٍ، وابنِ مسعودٍ، رَضِىَ اللَّهُ عنهم، أَنَّ المُتَلاعِنَيْنِ لا يَجْتَمِعان أبدًا. وبه قال الحسنُ، وعَطاءٌ، وجابرُ بن زيدٍ، والنَّخَعِىُّ، والزُّهْرِىُّ، والحَكَمُ، ومالكٌ، والثَّوْرِىُّ، والأوْزاعىُّ، والشافعىُّ، وأبو عُبَيْدٍ، وأبو ثَوْرٍ، وأبو يُوسفَ. وعن أحمدَ روايةٌ أخرى: إنْ أكْذَبَ نَفْسَه، حَلَّتْ له، وعادَ فِراشُه بحالِه. وهى رِوايةٌ شاذّةٌ. شَذَّ بها حَنْبَلٌ عن أصحابِه. قال أبو بكرٍ: لا نَعْلَمُ أحدًا رَواها (٢٤) غيرَه. وينْبَغِى أَن تُحْمَلَ هذه الرِّوايةُ على ما إذا لم يُفَرِّقْ بينهما الحاكمُ، فأمَّا مع تَفْريقِ الحاكِمِ بينهما، فلا وَجْهَ لبَقَاءِ النِّكاحِ بحالِه، وقد ذكَرْنا أَنَّ مذهبَ الْبَتِّىِّ، أَنَّ اللِّعانَ لا يتعَلّقُ به فُرْقةٌ. وعن سعيدِ بن المُسَيَّبِ: إن أكْذَبَ نَفْسَه، فهو خاطبٌ من الخُطَّابِ. وبه قال أبو حنيفةَ، ومحمدُ بن الحسنِ؛ لأنَّ فُرْقةَ اللِّعانِ عندهما طلاقٌ. وقال سعيدُ بن جُبَيْرٍ: إن أكْذَبَ نَفْسَه، رُدَّتْ إليه ما دامتْ فى العِدَّةِ. ولَنا، ما رَوَى سَهْلُ بن سعدٍ، قال: مَضَتِ السُّنَّةُ فى المُتَلَاعِنَيْنِ أَن يُفَرَّقَ بينهما، ثم لا يَجْتَمِعانِ أبدًا (٢٥). روَاه الجُوزَجَانىُّ، فى كِتابه بإسْنادِه. ورُوِىَ مثلُ هذا عن الزُّهْرِىِّ ومالكٍ. ولأنَّه تَحْرِيمٌ لا يَرْتَفِعُ قبلَ الحَدِّ والتَّكْذِيبِ، فلم يرتفعْ بهما، كتَحْرِيمِ الرَّضاعِ.

فصل: فإن كانت أمَةً، فاشْتَراها مُلاعِنُها، لم تَحِلَّ له؛ لأنَّه (٢٦) تَحْريمٌ مُؤبَّدٌ، فَحَرُمَتْ به على مُشْتَرِيها، كالرَّضاعِ، ولأنَّ المُطَلَّقَ ثَلاثًا إذا اشْتَرى مُطَلَّقَتَه، لا (٢٧) تَحِلُّ له قبلَ زَوْجٍ وإصَابةٍ، فههُنا أَوْلَى؛ لأنَّ هذا التَّحْريمَ مُؤبَّدٌ، وتَحْريمُ الطَّلاقِ


(٢٤) فى ب، م: "رواه".
(٢٥) انظر ما تقدم عن سهل بن سعد فى: ١٠/ ٣٣٠.
(٢٦) فى م: "لأن تحريمها".
(٢٧) فى الأصل: "لم".

<<  <  ج: ص:  >  >>