للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعليه العَمَلُ. وذلك لأنَّه ذِكْرٌ مُخْتَصٌّ بالصلاةِ، أَشْبَهَ الأَذْانَ والإِقامَةَ. ويَحْتَمِلُ أن يُكَبِّرَ كيْفَما شَاءَ، لما رَوَى جابِرٌ أنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أقْبَلَ عليهم، فقال: "اللهُ أكْبَرُ اللهُ أكْبَرُ" (٨). وإنْ نَسِىَ التَّكْبِيرَ حتى خَرَجَ من المَسْجدِ لم يُكَبِّرْ. وهذا قولُ أصْحابِ الرَّأْى؛ لأنَّه مُخْتَصٌّ بالصلاةِ مِن بعدِها، فأشْبَه سُجُودَ السَّهْوِ. ويَحْتَمِلُ أن يُكَبِّرَ؛ لأنَّه ذِكْرٌ، فَاسْتُحِبَّ وإن خَرَجَ وبَعُدَ، كالدُّعَاءِ والذِّكْرِ المَشْرُوعِ بعدَها. وإن ذَكَرَهُ في المسجدِ عادَ إلى مَكانِه، فَجلَسَ، واسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فَكَبَّرَ. وقال الشَّافِعِيُّ: يُكَبِّرُ ماشِيًا. وهذا أقْيَسُ؛ لأنَّ التَّكْبِيرَ ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ بعدَ الصلاةِ، فأشْبَهَ سائِرَ الذِّكْرِ. قال أصْحابُنا: وإذا أحْدَثَ قبلَ التَّكْبِيرِ لم يُكَبِّرُ، عَامِدًا كان أو سَاهِيًا؛ لأنَّ الحَدَثَ يَقْطَعُ الصلاةَ عَمْدُهُ وسَهْوُهُ. وبالَغَ ابنُ عَقِيلٍ، فقال: إنْ تَرَكَه حتى تَكَلَّمَ، لم يُكَبِّرْ. والأوْلَى إنْ شاءَ اللَّه أنَّه (٩) يُكَبِّرُ؛ لأنَّ ذلك ذِكْرٌ مُنْفَرِدٌ بعد سَلَامِ الإِمامِ، فلا تُشْتَرَطُ له الطَّهَارَةُ، كسائِرِ الذِّكْرِ، ولأنَّ اشْتِرَاطَ الطَّهَارَةِ إمَّا بِنَصٍّ أو مَعْنَاه، ولم يُوجَدْ ذلك. وإذا نَسِىَ الإِمامُ التَّكْبِيرَ كَبَّرَ المَأْمُومُ. وهذا قولُ الثَّوْرِيِّ؛ لأنَّه ذِكْرٌ يَتْبَعُ الصلاةَ، أشْبَه سائِرَ الذِّكْرِ.

فصل: قال القاضي: ظاهِرُ كلامِ أحمدَ أنَّه يُكَبِّرُ عَقِيبَ صلاةِ العِيد، وهو قولُ أبي بكرٍ؛ لأنَّها صَلَاةٌ مَفْرُوضَةٌ في جَماعةٍ، فأشْبَهَتِ الفَجْرَ. وقال أبو الخَطَّابِ: لا يُسَنُّ؛ لأنَّها ليستْ من الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، أَشْبَهَتِ النَّوَافِلَ. والأوَّلُ أَوْلَى؛ لأنَّ هذه الصلاةَ أَخَصُّ بالعِيدِ، فكانت أحَقَّ بِتَكْبِيرِه.

فصل: ويُشْرَعُ التَّكْبِيرُ في غيرِ أدْبارِ الصَّلَوَاتِ، وكان ابنُ عمرَ يُكَبِّرُ بمِنًى في تلك الأيَّامِ خَلْفَ الصَّلَوَاتِ، وعلى فِرَاشِه، وفي فُسْطَاطِه، ومَجْلِسِه، ومَمْشَاهُ،


(٨) تقدم تخريجه في صفحة ٢٨٨.
(٩) في أ، م: "أن".

<<  <  ج: ص:  >  >>