للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالزَّكاةِ، ولأنَّها وجَبَتْ على العاقلةِ تخْفيفًا عن القاتلِ، فلا يجوزُ التَّثْقِيلُ بها على مَنْ لا جِنايةَ منه، وفي إيجابِها على الفقيرِ تَثْقِيلٌ عليه، وتَكْلِيفٌ له ما لا يَقْدِرُ عليه، ولأنَّنا أجْمَعْنا على أنَّه لا يُكَلَّفُ أحَدٌ من العاقلةِ ما يَثْقُلُ عليه، ويُجْحِفُ به، وتَحْمِيلُ الفَقِيرِ شَيْئًا منها يَثْقُلُ عليه، ويُجْحِفُ بمالِه، وربَّما كان الواجبُ عليه جَمِيعَ مالِه، أو أكثرَ منه، أو لا يكونُ له شيءٌ أصْلًا. وأمَّا الصَّبِىُّ والمجنونُ والمرأةُ، فلا يَحْمِلُون منها؛ لأنَّ فيها مَعْنَى التَّناصُرِ، وليس هم من أهْلِ النُّصْرَةِ.

فصل: ويَعْقِلُ المريضُ إذا لم يَبْلُغْ حَدَّ الزَّمَانةِ، والشيخُ إذا لم يَبْلُغْ حَدَّ الهَرَمِ؛ لأنَّهما من أهْلِ النُّصْرةِ والمُواساةِ، وفي الزَّمِنِ والشَّيْخِ الفانِى وَجْهان؛ أحدهما، لا يَعْقِلانِ؛ لأنَّهما ليسا من أهْلِ النُّصْرةِ، ولهذا لا يَجِبُ عليهما الجِهادُ، ولا يُقْتَلانِ (٢) إذا كانا من أهْلِ الحَرْبِ، وكذلك يُخَرَّجُ في الأعْمَى؛ لأنَّه مِثْلُهما في هذا المعنى. والثاني، يَعْقِلُونَ؛ لأَنَّهم من أهلِ المُواساةِ، ولهذا تَجِبُ عليهم الزَّكاةُ. وهذا مُنْتَقِضٌ (٣) بالصَّبىِّ والمَجْنونِ. ومذهبُ الشافعىِّ في هذا الفَصْلِ كلِّه كمَذْهَبِنَا.

١٤٦٨ - مسألة؛ قال: (ومَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ، أخَذَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذلِك، فَلَيْسَ عَلَى الْقَاتِلِ شَىْءٌ)

الكلامُ في هذه المسألة في فَصْلينِ:

أحدهما: أنَّ مَنْ لا عاقِلةَ له، هل يُؤَدِّى من بيتِ المالِ أوْ لا؟ فيه (١) رِوَايتان. إحْداهما، يُؤَدَّى عنه. وهو مَذْهَبُ الزُّهْرِيِّ، والشافعيِّ؛ لأنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَدَى الأَنْصارِىَّ الذي قُتِلَ بخيبرَ من بيتِ المالِ (٢). ورُوِىَ أن رَجُلًا قُتِلَ في زِحَامٍ في زَمَنِ عمرَ،


(٢) في الأصل: "يعقلان".
(٣) في ب، م: "ينتقض".
(١) في الأصل: "وفيه".
(٢) تقدم تخريجه، في صفحة ٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>