للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلم يُعْرَفْ قاتِلُه، فقال علىٌّ لعمرَ: يا أمِيرَ المؤمنين، لا يُطَلُّ (٣) دَمُ امرىءٍ مُسْلِمٍ. فأَدَّى دِيَتَه من بَيْتِ المالِ (٤). ولأنَّ المسلمين يَرِثُونَ مَنْ لا وارِثَ له، فيَعْقِلُونَ عنه (٥) عند عَدَمِ عاقِلَتِه، كعَصَباتِه ومَوَالِيه. والثانية، لا يَجِبُ ذلك؛ لأنَّ بَيْتَ المالِ فيه حَقٌّ للنِّساءِ والصِّبْيانِ والمَجانِينِ والفُقَراءِ ومن (٦) لا عَقْلَ عليه (٧)، فلا يَجُوزُ صَرْفُه فيما لا يَجِبُ عليهم، ولأنَّ العَقْلَ على العَصَباتِ، وليس بيتُ المالِ عَصَبةً، ولا هو كَعَصَبةِ هذا، فأمَّا قَتِيلُ الأنْصارِ، فغيرُ لازِمٍ؛ لأنَّ ذلك قَتِيلُ اليَهُودِ، وبيتُ المالِ لا يَعْقِلُ عن الكُفَّارِ بحالٍ، وإنَّما النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- تَفَضَّلَ بذلك (٨) عليهم. وقَوْلُهم: إنَّهم يَرِثُونَه. قُلْنا: ليس صَرْفُه إلى بيتِ المالِ مِيراثًا، بل هو فَىْءٌ، ولهذا يُؤْخَذُ مالُ مَنْ لا وَارِثَ له من أهْلِ الذِّمَّةِ إلى بيتِ المالِ، ولا يَرِثُه المسلمونَ، ثم لا يَجِبُ العَقْلُ على الوارِثِ إذا لم يكُنْ له (٨) عَصَبةً، ويَجِبُ على العَصَبةِ وإن لم يكُنْ وارِثًا. فعلى الرِّوايةِ الأُولَى، إذا لم يكُنْ له (٩) عاقلةٌ، أُدِّيَتِ الدِّيَةُ عنه كلُّها من بيتِ المالِ، وإن كان له عاقلةٌ لا تَحْمِلُ الجميعَ، أُخِذَ الباقِى من بيتِ المالِ. وهل تُؤَدَّى من بيتِ المالِ في دَفْعةٍ واحدةٍ، أو في ثلاثِ سِنِينَ؟ على وَجْهَيْن؛ أحدهما، في ثلاثِ سِنِينَ، على حَسبِ ما يُؤْخَذُ من العاقلةِ. والثاني، يُؤَدَّى دفعةً واحدةً. وهذا أصَحُّ؛ لأنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أدَّى دِيةَ الأنصارِىِّ دَفْعةً واحدةً، وكذلك عمرُ، ولأنَّ الدِّيَةَ بَدَلُ مُتْلَفٍ لا تُؤَدِّيه العاقلةُ، فيَجِبُ كلُّه في الحالِ، كسائرِ أبْدَالِ (١٠) المُتْلَفاتِ، وإنما أُجِّلَ على العاقلةِ تخفيفًا عنهم، ولا حاجَةَ إلى ذلك في بيتِ المالِ، ولهذا يُؤَدَّى الجَمِيعُ.


(٣) في الأصل: "تبطل".
(٤) أخرجه عبد الرزاق، في: باب من قتل في زحام، من كتاب العقول. المصنف ١٠/ ٥١. وابن أبي شيبة، في: باب الرجل يقتل في الزحام، من كتاب الديات. المصنف ٩/ ٣٩٥.
(٥) سقط من: م.
(٦) سقط: "من" من: م.
(٧) في م: "عليهم".
(٨) سقط من: ب، م.
(٩) سقط من: الأصل.
(١٠) في م: "بدل".

<<  <  ج: ص:  >  >>