الرَّأْىِ: ليس له الرُّجوعُ؛ لأنَّه مَلَّكَها ذلك، فلم يَمْلكِ الرُّجوعَ، كما لو طَلُقَتْ. ولَنا، أنَّه توكيلٌ.، فكان له الرُّجوعُ فيه، كالتَّوكيلِ فى البيعِ، وكما لو خاطبَ بذلك أجْنبيًّا. وقولهم: تَمْليكٌ. لا يَصِحُّ؛ فإنَّ الطَّلاقَ لا يَصِحُّ تَمْليكهُ، ولا يَنْتقِلُ عن الزَّوجِ، وإنَّما يَنُوبُ فيه غيرُه عنه، فإذا استنابَ غيرَه فيه كان توكيلًا لا غيرُ، ثم وإِنْ سُلِّمَ أنَّه تَمْلِيكٌ، فالتَّمْليكُ يَصِحُّ الرُّجوعُ فيه قبلَ اتِّصالِ القبُولِ به، كالبيعِ. وإن وَطِئهَا الزَّوجُ كان رجوعًا؛ لأنَّه نوعُ توكيلٍ، والتَّصرُّفُ فيما وَكَّلَ فيه يُبطِلُ الوكالةَ. وإن ردَّتِ المرأةُ ما جُعِلَ إليها بَطَلَ، كما تَبْطُلُ الوكالةُ بفَسْخِ الوكيلِ.
فصل: ولا يَقعُ الطَّلاقُ بمُجرَّدِ هذا القولِ، ما لم يَنْوِ به إيقاعَ طَلاقِها فى الحالِ، أو تُطَلِّقْ نفسَها. ومتى رَدَّتِ الأمرَ الذى جُعِلَ إليها، بَطَلَ، ولم يَقعْ شىءٌ، فى قولِ أكثرِ أهلِ العلمِ؛ منهم ابنُ عمرَ، وسعيدُ بن المُسَيَّبِ، وعمرُ بنُ عبدِ العزيزِ، ومسروقٌ، وعَطاءٌ، ومُجاهدٌ، والزُّهرِىُّ، والثَّورِىُّ، والأوزاعِىُّ، والشَّافعىُّ. وقال قَتادةُ: إن رَدَّتْ، فواحدةٌ رَجعِيَّةٌ. ولَنا، أنَّه توكيلٌ ردَّه الوكيلُ، أو تَمْليكٌ لم يَقْبَلْه الْمُمَلَّكُ، فلم يَقَعْ به شىءٌ، كسائرِ التَّوكيلِ والتَّمْليكِ، فأمَّا إن نَوَى بهذا تطليقَها فى الحالِ، طَلُقَتْ فى الحالِ، ولم يَحْتَجْ إلى قَبُولِها، كما لو قال: حَبْلُك على غارِبِك.
وجملةُ الأمرِ أَنَّ المُمَلَّكَةَ والمُخَيرَّةً إذا قالت: اخْتَرْتُ نفسى. فهى واحدةٌ رَجْعِيَّةٌ. ورُوِىَ ذلك عن عمرَ، وابنِ مسعودٍ، وابنِ عبَّاسٍ. وبه قال عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ، والثَّورِىُّ، وابنُ أبى ليلى، والشَّافعىُّ، وإسحاقُ، وأبو عُبَيدٍ، وأبو ثَوْرٍ. ورُوِىَ عن علىٍّ أنَّها واحدةٌ بائنةٌ. وبه قال أبو حنيفةَ وأصحابُه؛ لأنَّ تَمْليكَه إيَّاها أمرَها يَقْتضِى زوالَ سُلْطانِه عنها، وإذا قَبِلَتْ ذلك بالاخْتيارِ، وجَبَ أن يزُولَ عنها، ولا يَحصُلُ ذلك مع بَقاءِ الرَّجْعَةِ. وعن زيدِ بنِ ثابتٍ أنَّها ثَلاثٌ. وبه قال الحَسَنُ، ومالكٌ، واللَّيثُ، إلَّا أَنَّ