للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجانِى أكبرُ، فلِلْمَجْنِىِّ عليه أن يُوضِحَ منه بقَدْرِ مِساحةِ مُوضِحَتِه من أىّ الطَّرَفينِ شاء؛ لأنَّه جَنَى عليه في ذلك المَوْضِعِ كلِّه، وإذا اسْتَوْفَى قَدْرَ مُوضِحَتِه، ثم تجاوَزَهَا، واعْتَرفَ أنَّه عَمَدَ ذلك، فعليه القِصاصُ في ذلك القَدْرِ، فإذا انْدَمَلَتْ مُوضِحَتُه، اسْتُوفِىَ منه القِصاصُ في مَوْضعِ الانْدِمالِ؛ لأنَّه موضعُ الجِنايةِ، وإن ادَّعَى الخطأَ، فالقولُ قولُه؛ لأنَّه مُحْتَمِلٌ، وهو أعْلَمُ بقَصْدِه، وعليه أرْشُ مُوضِحَةٍ. فإن قِيلَ: فهذه المُوضِحَةُ كلُّها لو كانت عُدْوانًا لم يَجِبْ فيها إلَّا دِيَةُ مُوضِحَةٍ، فكيف يَجِبُ في بعضِها دِيَةُ مُوضِحَةٍ؟ قُلْنا: لأنَّ المُسْتَوْفَى، لم يكُنْ جِنايةً، إنَّما الجِنايةُ الزَّائدُ، والزائدُ لو انْفَرَدَ لَكان مُوضِحةً، فكذلك إذا كان معه ما ليس بجِنايةٍ، بخِلافِ ما إذا كانتْ كلُّها عُدْوانًا؛ فإنَّ الجميعَ جنايةٌ واحدةٌ.

فصل: وإذا أَوْضَحَه في جميعِ رأسِه، ورأسُ الجانِى أكبرُ، فأحَبَّ أن يَسْتَوْفِىَ القِصاصَ بعضَه من مُقَدَّمِ الرَّأسِ وبعضَه (٢٤) من مُؤَخَّرِه، احْتَمَلَ أن يُمْنَعَ منه؛ لأنَّه يَأْخُذُ مُوضِحَتَيْنِ بواحدةٍ، ودِيَتُهما مختلفةٌ، واحْتَمَلَ الجَوازَ؛ لأنَّه لا يُجاوِزُ مَوْضِعَ الجِنايةِ ولا قَدْرَها، إلَّا أن يقولَ أهلُ الخِبْرةِ: إنَّ في ذلك زِيادةَ ضَرَرٍ أو شَيْنٍ، فلا يَفْعَلُ. ولأصْحابِ الشافعىِّ كهذَيْنِ. فإن كان رأسُ المَجْنِىِّ عليه أكبرَ، فأَوْضَحَه الجانِى في مُقَدَّمِه ومُؤَخَّرِه مُوضِحَتَيْنِ، قَدْرُهما جميعُ رأسِ الجانِى، فله الخِيارُ بين أن يُوضِحَه مُوضِحةً واحدةً في جميعِ رأسِه، أو يُوضِحَه مُوضِحَتَيْنِ، يَقْتَصِرُ في كلِّ واحدةٍ منهما على (٢٥) قَدْرِ مُوضِحَتِه، ولا أرْشَ لذلك، وَجْهًا واحدًا؛ لأَنَّه تَرَكَ الاسْتيفاءَ مع إمْكانِه. وإن عَفَا إلى الأرْشِ، فله أرْشُ مُوضِحَتَيْنِ، وإن شاء اقْتَصَّ من إحْدَاهما (٢٦)، وأخَذَ دِيَةَ الأُخْرَى.

فصل: وإذا كانت الجِنايةُ في غيرِ الرَّأْسِ والوَجْهِ، فكانتْ في ساعِدٍ، فزادَتْ على ساعدِ الجانِى، لم يَنْزِلْ إلى الكَفِّ، ولم يَصْعَدْ إلى العَضُدِ، وإن كانتْ


(٢٤) في ب، م: "أو بعضه".
(٢٥) في الأصل: "عن".
(٢٦) في الأصل، م: "أحدهما".

<<  <  ج: ص:  >  >>