للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّرْعُ بهذا، وإنَّما ثَبَتَ الاسْتِخْلافُ في مَوْضِع الإِجْمَاعِ، حيث لم يَحْتَجْ إلى شيءٍ من هذا، فلا يُلْحَقُ به ما لَيْسَ في مَعْناه. واللهُ أعلمُ.

فصل: وإذا اسْتُخْلِفَ من لا يَدْرِى كَمْ صَلَّى؟ احْتَمَلَ أن يَبْنِىَ على اليَقِينِ، فإنْ وافَقَ الحَقَّ، وإلَّا سَبَّحُوا به، فرَجَعَ إليهم، ويَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. وقال النَّخَعِىُّ: يَنْظُرُ ما يَصْنَعُ مَنْ خَلْفَه. وقال الشَّافِعِىُّ. يَتَصَنَّعُ، فإن سَبَّحُوا به جَلَسَ، وعَلِمَ أنَّها الرَّابِعَةُ. وقال الأوْزَاعِىُّ: يُصَلِّى بهم رَكْعَةً؛ لأنَّه تَيَقَّنَ بقاءَ رَكْعَةٍ، ثم يَتَأخَّرُ ويُقَدِّمُ رَجُلًا يُصَلِّى بهم ما بَقِىَ من صَلاتِهِم، فإذا سَلَّمَ قامَ الرَّجُلُ فأتَمَّ صَلاتَه. وقال مالِكٌ: يُصَلِّى لِنَفْسِه صَلاةً [ثانيةً، فإذا] (٢٠) فَرَغُوا من صَلاتِهِم قَعَدُوا وانْتَظَرُوهُ. والأقْوَالُ الثَّلاثةُ الأُولَى مُتَقَارِبَةٌ. ولَنا، على أنه لا يُسْتَخْلَفُ، أنَّه (٢١) شَكَّ في عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، فلم يَجُزْ له الاسْتِخْلافُ لذلك، كغيرِ المُسْتَخْلَفِ. ولَنا، على أنه يَبْنِى على اليَقِينِ، أنَّه شَكٌّ مِمَّنْ لا ظَنَّ له، فوَجَب البِناءُ على اليَقِينِ، كسائِرِ المُصَلِّينَ.

فصل: ومن أجازَ الاسْتِخْلافَ، فقد أجازَ نَقْلَ الجماعةِ إلى جماعةٍ أُخْرَى، لِلْعُذْرِ، ويَشْهَدُ لذلك أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- جاء وأبو بكرٍ في الصَّلاةِ، فَتَأَخَّرَ أبو بكرٍ. وتَقَدَّمَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأَتَمَّ بهم الصَّلاةَ. وفَعَلَ هذا مَرَّة أُخْرَى، جاء حتى جَلَسَ إلى جانِبِ أبي بكرٍ عن يَسَارٍ، وأبو بكرٍ عن يَمِينِه قائِمٌ، يأْتَمُّ بالنَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويأْتَمُّ الناسُ بأبِى بَكْرٍ. وكلا الحَدِيثَيْنِ صَحِيحٌ [مُتَّفَقٌ عليهما] (٢٢). وهذا يُقَوِّى جَوَازَ الاسْتِخْلَافِ والانْتِقَالِ من جماعةٍ إلى جماعةٍ أُخْرَى حالَ العُذْرِ. فيُخَرَّج مِن هذا أنَّه لو أدْرَكَ نَفْسان (٢٣) بعضَ الصَّلاةِ مع الإِمامِ، فلمَّا سَلَّمَ الإِمامُ ائْتَمَّ أحَدُهما بصاحِبِه،


(٢٠) في أ، م: "تامة، فإن".
(٢١) في م زيادة: "إن".
(٢٢) سقط من: الأصل، أ. والأول أخرجه البخاري، في: باب الإمام يأتى قوما فيصلح بينهم، من كتاب الأحكام. صحيح البخاري ٩/ ٩٢. ومسلم، في: باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر، من كتاب الصلاة. صحيح مسلم ١/ ٣١١، ٣١٢. كما أخرجه ابن ماجه، في: باب ما جاء في صلاة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في مرضه، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه ١/ ٣٨٩ - ٣٩١. والإمام أحمد، في: المسند ٥/ ٣٣٢، ٣٣٨. والثانى تقدم تخريجه في حاشية صفحة ١٢٩ من هذا الجزء.
(٢٣) في أ، م: "اثنان".

<<  <  ج: ص:  >  >>