للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وإن رَهَنَهُ مالًا له في يَدِ المُرْتَهِنِ؛ عَارِيَّةً أو وَدِيعَةً أو غَصْبًا أو نحوَه، صَحَّ الرَّهْنُ؛ لأنه مالِكٌ له يُمْكِنُ قَبْضُه، فصَحَّ رَهْنُه، كما لو كان في يَدِه. وظَاهِرُ كلامِ أحمد لُزُومُ الرَّهْنِ بِنَفسِ العَقدِ، من غير احْتِياجٍ إلي أمْرٍ زَائِدٍ، فإنَّه قال: إذا حَصَلَتِ الوَدِيعَةُ في يَدِه بعد الرَّهْنِ، فهو رَهْنٌ. فلم يَعْتَبِرْ أمْرًا زَائِدًا؛ وذلك لأنَّ اليَدَ ثَابِتَةٌ، والقَبْضُ حَاصِلٌ. وإنَّما يَتَغَيَّرُ الحُكْمُ لا غيرُ، ويُمْكِنْ تَغَيُّرُ الحُكْمِ مع اسْتِدَامَةِ القَبْضِ. كما لو طُولِبَ بالوَدِيعَةِ فجَحَدَها لِتَغَيُّرِ (٧) الحُكْمِ، وصَارَتْ مَضْمُونَةً عليه من غيرِ أمْرٍ زَائِدٍ. ولو عَادَ الجاحِدُ، فأقَرَّ بها، وقال لِصَاحِبِها: خُذْ وَدِيعَتَكَ. فقال: دَعْهَا عِنْدَكَ وَدِيعَةً كما كانت، ولا ضَمَانَ عليك فيها. لتَغَيَّرَ الحُكْمُ من غيرِ حُدُوثِ أمْرٍ زَائدٍ. وقال القاضِى وأصْحابُ الشَّافِعِيِّ: لا يَصِيرُ رهْنًا حتى تَمْضِىَ مُدَّةً يَتَأتَّى قَبْضُه فيها، فإن كان مَنْقُولًا فَبِمُضِىِّ مُدَّةٍ يُمْكِنُ نَقْلُه فيها، وإن كان مَكِيلًا فَبِمُضِىِّ مُدَّةٍ يُمْكِنُ اكتِيَالُه فيها، وإن كان غيرَ مَنْقُولٍ فَبِمُضِيِّ مُدَّةِ التَّخْلِيَةِ، وإن كان غَائِبًا عن المُرْتَهِنِ لم يَصِرْ مَقْبُوضًا حتى يُوَافِيهُ هو أو وَكِيلُه، ثم تَمْضِى مُدَّةٌ يُمْكِنُ قَبْضُه فيها؛ لأنَّ العَقْدَ يَفْتَقِرُ إلى القَبْضِ، والقَبْضُ إنَّما يَحْصُلُ بفِعلِه أو بإمْكَانِه، ويَكْفِى ذلك، ولا يَحْتَاجُ إلى وُجُودِ حَقِيقَةِ القَبْضِ، لأنَّه مَقْبُوضٌ حَقِيقَةً. فإن تَلِفَ قبل مُضِيِّ مُدَّةٍ يَتَأَتَّى قَبْضُه فيها، فهو كتَلَفِ الرَّهْنِ قبل القَبْضِ (٨). ثم هل يَفْتَقِرُ إلي الإذْنِ من الرَّاهِنِ في القَبْضِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أحدَهما، يَفْتَقِرُ، لأنَّه قَبْضٌ يَلْزَمُ به عَقْدٌ غير لازِمٍ، فلم يَحْصُلْ بغيرِ إذْنٍ، كما لو كان في يَدِ الرَّاهِنِ، وإقْرَارُه في يَدِه لا يَكْفِي، كما لو أقَرَّ المَغْصُوبَ في يَدِ غَاصِبِه مع إمْكَانِ أخْذِه منه. والثاني، لا يَفتَقِرُ إلي إذْنٍ في القَبْضِ؛ لأنَّ إقْرَارَهُ له (٩) في يَدِه بمَنْزِلَةِ إِذْنِه في القَبْضِ. فإن أذِنَ له في القَبْضِ، ثم رَجَعَ عنه قبل مُضِيِّ مُدَّةٍ


(٧) في الأصل: "لغير".
(٨) في أ، م: "قبضه".
(٩) سقط من: "الأصل".

<<  <  ج: ص:  >  >>