للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَفٌّ، أو قَطَعَ ساقًا وادَّعَى أنَّه لم يكُنْ لها قَدَمٌ. وقال القاضي: إن اتَّفَقَا على أنَّه كان بَصِيرًا، فالقولُ قولُ المَجْنِىِّ عليه، وإلَّا فالقولُ قولُ الجانِى. وهذا مذهبُ الشافعىِّ. وكذلك على قِياسِه إذا اخْتَلَفا في شَلَلِ العُضْوِ؛ لأنَّ هذا ممَّا لا يتَعَذَّرُ إقامَةُ البَيِّنةِ عليه، فإنَّه لا يَخْفَى على أهْلِه وجِيرانِه ومُعاملَتِه، وصِفَةُ تَحَمُّلِ الشَّهادةِ عليه، أنَّه كان يُتْبِعُ الشَّخْصَ بَصَرَه، ويَتَوَقَّى ما يَتَوَّقاه البصيرُ، ويتَجَنّبُ البِئْرَ وأشْباهَهُ في طَرِيقِه، ويَعْدِلُ في العَطفاتِ خَلْفَ مَنْ يَطْلُبُه. ولَنا، أنَّ الأصْلَ السَّلامةُ، فكان القولُ قولَ مَنْ يَدَّعِيه، كما لو اخْتَلَفَا في إسلامِ المَقْتُولِ وحَياتِه. وقولُهم: لا تتَعَذَّرُ إقامةُ البَيِّنَةِ عليه. قُلْنا: وكذلك لا تتَعَذَّرُ إقامةُ البَيِّنةِ على ما يَدَّعِيه الجانِى، فإيجابُها عليه أَوْلَى من إيجابِها على مَنْ يَشْهَدُ له الأصْلُ، ثم يَبْطُلُ بسائرِ المواضِعِ التي سَلَّمُوها. فإن قالوا ههُنا: [ما ثَبَتَ] (٧٦) أن الأصْلَ وُجُودُ البَصرِ. قُلْنا: الظَّاهرُ يَقُومُ مَقَامَ الأصْلِ، ولهذا رَجَّحْنا قولَ من يَدَّعِى حُرِّيتَه وإسْلامَه.

فصل: وإن زَادَ في القِصاصِ من الجِرَاحِ، وقال: إنَّما حَصَلَتِ الزِّيادةُ باضْطِرابِه (٧٧). وأنْكَرَ المَجْنِىُّ عليه، ففيه وَجْهان؛ أحدهما، القولُ قولُ المُقْتَصِّ منه؛ لأنَّ الأصْلَ عَدَمُ الاضْطرابِ، ووُجُوبُ الضَّمانِ. والثانى؛ القولُ قولُ المُقْتَصِّ؛ لأنَّ الأصْلَ بَراءةُ ذِمَّتِه، وما يَدَّعِيه مُحْتَمِلٌ. والأوّلُ أصَحُّ؛ فإنَّ الجُرْحَ سَبَبُ وُجُوبِ الضَّمانِ، وما يَدَّعِيه من الاضْطرابِ المانعِ من ثُبُوتِ حُكْمِه، الأصلُ عَدَمُه، فالقولُ قولُ مَنْ يَنْفِيه، كما لو جَرَحَ رَجُلًا وادَّعَى أنَّه جَرَحَه دَفْعًا عن نَفْسِه، أو قَتَلَه وادَّعَى أنَّه وجَدَه مع أهْلِه، أو قَتَلَ بَهِيمةً وادَّعَى أنَّها صالَتْ عليه.


(٧٦) في ب، م: "فأثبت".
(٧٧) في الأصل: "من اضطرابه".

<<  <  ج: ص:  >  >>