للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقصودًا فى الكَفَّارةِ، فإنها مُقَدَّرَةٌ بما يَقُوتُ المسكينَ فى يومِه، فيَدُلُّ ذلك على أَنَّ المقْصودَ كِفَايَتُه فى يومِه، وهذا قد هَيَّأَه للأكلِ المُعْتادِ للاقْتِياتِ، وكَفاهم مُؤْنَتَه، فأشْبَهَ ما لو نَقَّى الحِنْطَةَ وغَسَلَها. وأمَّا الهَرِيسَةُ والكَبُولَا (٧) ونحْوُهما، فلا يُجْزِئُ؛ لأنهما خَرَجَا عن الاقْتِياتِ المُعْتادِ إلى حَيِّزِ الإدَامِ. وامّا السَّوِيقُ، فالصَّحِيحُ أنَّه لا يُجْزِئُ؛ لذلك. ويَحْتَمِل أَنْ يُجْزِئُ؛ لأنَّه يُقْتاتُ فى بعض البُلْدانِ، ولا يُجْزِئُه من الخُبْزِ والسَّوِيقِ أقَلُّ مِن شىءٍ يُعْمَلُ مِن مُدٍّ، فإن أخَذَ مُدَّ حِنْطَةٍ، أورَطْلًا وثُلُثًا مِن الدَّقِيقِ، وصَنَعَه خُبْزًا، أجْزَأه. وقال الخِرَقِىُّ: يُجْزِئُه رَطْلانِ. قال القاضى: المُدُّ يَجِىءُ منه رِطْلانِ؛ وذلك لأنَّ الغالِبَ أنّ رِطْلَيْنِ من الخُبْزِ لا تَكونُ إلَّا مِن مُدَّ، وذلك بالرَّطْلِ الدِّمَشْقِىِّ خَمْسُ أواقٍ واقَلُّ مِن خُمْس أُوقِيَّةٍ، وهذا فى البُرِّ، فأمَّا إنْ كان المُخْرَجُ مِن الشَّعِيرِ، فلا يُجْزِئُه إلَّا ضِعْفُ ذلك، على ما قَرَّرْنَاه.

فصل: ولا تُجْزِئُ القِيمَةُ فى الكَفَّارةِ. نَقَلَها المَيْمُونِىُّ، والأَثْرَمُ. وهو مذهبُ الشّافعىِّ. وخَرَّجَ بعضُ أصحابِنا مِن كلامِ أحمدَ، روايةً أُخْرَى، أنَّه يُجْزِئُه. وهو ما رَوَى الأثْرَمُ، أَنَّ رجلًا سأل أحمدَ، قال: أعْطَيْتُ فى كَفَّارةٍ خَمْسَةً دَوَانِيقَ؟ فقال: لو اسْتَشَرْتَنِى قَبْلَ أَنْ تُعْطِىَ لم أُشِرْ عليك، ولكنْ أعْطِ (٨) ما بَقِىَ مِن الأثْمانِ على ما قُلتُ لك. وسَكَتَ عن الذى أعْطَى. وهذا ليس بروايةٍ، وإنَّما سَكَتَ عن الذى أعْطى؛ [لأنَّه] (٩) مُخْتَلَفٌ فيه، فلم يَرَ التَّضْيِيقَ عليه فيه.

الأمرُ الثّالثُ، أنَّ مُسْتَحِق الكفّارةِ هم المساكينُ الذين يُعْطَوْنَ مِن الزَّكاةِ، لقول اللَّه تعالى: {إِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا}. والفقراءُ يَدْخُلُون فيهم؛ لأنَّ فيهم المَسْكَنَةَ وزِيادَةً، ولا خلافَ فى هذا. فأمَّا الأغْنياءُ فلا حقَّ لهم فى الكفّارةِ، سواءٌ كانوا مِن أصْنافِ الزَّكَاةِ، كالغُزَاةِ والْمُؤَلَّفَةِ قُلوبُهم (١٠)، أو لم يَكُونوا؛ لأنَّ


(٧) الكبولا: العصيدة.
(٨) فى م زيادة: "على".
(٩) تكملة لازمة.
(١٠) سقط من: الأصل، ب، م.

<<  <  ج: ص:  >  >>