للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّه تعالى خَصَّ بها المساكينَ، واختلفَ أصحابُنا فى الْمُكاتَب؛ فقال القاضى، فى "الْمجَرَّد"، وأبو الخطَّابِ، فى "الهِدايَةِ": لا يجوز دَفْعُها إليه. وهو مذهبُ الشّافعىِّ. وقال الشَّرِيف أبو جعفرٍ، وأبو الخطابِ، فى "مسائِلِهما": يجوزُ الدَّفْعُ إليه. وهو مذهبُ أبى حنيفةَ، وأبى ثَوْرٍ؛ لأنَّه يَأخُذُ مِن الزَّكاةِ لحاجتِه، فأشْبَهَ المسكينَ. ووَجْهُ الأُولَى أَنَّ اللَّه تعالى خَصَّ بها المساكينَ، والْمُكاتَبون صِنْفٌ آخَرُ، فلم يَجُز الدَّفْعُ إليهم، كالغُزَاة والْمُؤَلَّفَة، ولأنَّ الكَفَّارةَ قُدِّرَتْ بقُوتِ يومٍ لكُلِّ مسكينٍ، وصُرِفَت (١١) إلى مَن يَحتاجُ إليها للاقْتِياتِ، والمُكاتَبُ لا يَأْخُذُ لذلك، فلا يكون فى معنى المسكين. ويُفَارِقُ الزَّكاةَ، فإنَّ الأغْنياءَ يَأخُذُون منها، وهم الغُزَاةُ، والعامِلُون عليها (١٢)، والمُؤَلَّفَةُ، والغارِمُون، ولأنَّه غَنِىٌّ بِكَسْبه أو بِسَيِّدِه، فأشْبَهَ العامِلَ. ولا خِلافَ بينهم فى أنَّه لا يَجوزُ دَفْعُها إلى عَبْدٍ؛ لأنَّ نَفَقَتَه واجبةٌ على سَيِّدِه، وليس هو مِن أصْنافِ الزَّكاةِ، ولا إلى أُمِّ وَلَدٍ؛ لأنَّها أَمَةٌ نَفَقَتُها على سَيِّدِها، وكَسْبُها له، ولا إلى مَن تَلْزَمُه نفقتُه. وقد ذكرْنا ذلك فى الزَّكاة (١٣)، وفى دَفْعِها إلى الزَّوْجِ وَجْهانِ؛ بِناءً على دَفْعِ الزَّكاةِ إليه. ولا يَجُوز دفعُها إلى كافرٍ. وبهذا قال الشَّافعىُّ. وخَرَّجَ أبو الخَطَّابِ وجهًا فى إعْطائهم، بِناءً على الرِّوايةِ فى إعْتاقِهم. وهو قولُ أبى ثَوْرٍ، وأصْحابِ الرَّأْىِ؛ لأنَّ اللَّه تعالى قال: {إِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا}. وأطْلَقَ، فيَدْخُلُون فى الإِطْلاقِ. ولَنا؛ انَّه كافرٌ فلم يَجُز الدَّفْعُ إليه كَمَساكينِ أهلِ الحربِ، وقد سَلَّمَه أصحابُ الرَّأْىِ، والآيةُ مَخْصُوصَةٌ بأهلِ الحربِ، فَنَقِيسُ عليهم سائِرَ الكُفَّارِ، ويجوزُ صَرْفُها إلى [الكبيرِ، والصَّغيرِ] (١٤)، إنْ كان مِمَّن يَأْكُلُ الطَّعامَ. وإذا أرادَ صَرْفَه إلى الصَّغِير، فإنَّه يَدْفَعُه (١٥) إلى وَلِيِّه، يَقْبِضُ له؛ فإنَّ الصَّغِيرَ لا يَصِحُّ منه الْقَبْضُ. فأمَّا مَن لا يَأْكُلُ الطَّعامَ،


(١١) فى أ: "فصرفت".
(١٢) سقط عن: الأصل، أ.
(١٣) تقدم فى: ٤/ ٩٨ وما بعدها.
(١٤) فى م: "الصغير والكبير".
(١٥) فى الأصل: "يدفع".

<<  <  ج: ص:  >  >>