للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منهما. قلنا: لا دَلالَةَ في هذا؛ لأنَّه لم يُنْقَلْ أنه دَلَكهما، والظَّاهِرُ أنَّه لم يَدْلُكْهما؛ لأنَّه لم يَعْلَمْ بالقَذَرِ فيهما، حتَّى أخْبَرَه جِبْرِيلُ، عليه السَّلامُ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ دَلْكَهما يُطَهِّرُهُما في قولِ ابْنِ حَامِدٍ؛ لِظَاهِرِ الأَخْبَارِ. وقال غيرُه: يُعْفَى عنه مع بَقَاءِ نَجَاسَتِه، كَقَوْلِهِم في أثَرِ الاسْتِنْجاءِ. وقال القاضي: إنَّما يُجْزِئُ دَلْكُهُما بعد جَفَافِ نَجَاسَتِهما؛ لأنَّه لا يَبْقَى لها أثَرٌ، وإن دَلَكهما قبلَ جَفَافهما لم يُجْزِهِ ذلك؛ لأنَّ رُطُوبَةَ النَّجَاسَةِ باقِيةٌ فلا يُعْفَى عنها. وظَاهرُ الأخْبارِ لا يُفَرِّقُ بين رَطْبٍ وجَافٍّ. ولأنَّه مَحَلٌّ اجْتُزِئُ فيه بالمَسْحِ، فجازَ في حالِ رُطُوبَةِ المَمْسُوحِ كمَحَلٍّ الاسْتِنْجَاءِ، ولأن رُطُوبَةَ المَحَلِّ مَعْفُوٌّ عنها إذا جَفَّتْ قبلَ الدَّلْكِ، فعُفِىَ (٣٣) عنها إذ جَفَّتْ به كالاسْتِجْمارِ. الثالث، إذا جَبَرَ عَظْمَهُ بعَظْمٍ نَجِسٍ فَجَبَر، لم يَلْزَمْهُ قَلْعُهُ إذا خافَ الضَّرَرَ، وأجْزَأتْه صَلاتُه، لأنَّها نَجاسةٌ باطِنَةٌ يتَضَرَّرُ (٣٤) بإزالَتِها، فأشْبَهَتْ دِمَاءَ العُرُوقِ. وقيل: يَلْزَمُه قَلْعُه، ما لم يَخَفِ التَّلَفَ.

وإن سَقَطَ سِنٌّ من أسْنانِه فأعَادَها بحَرَارَتِها، فَثَبَتتْ، فهى طَاهِرَةٌ؛ لأنَّها بَعْضُه، والآدمِىُّ بجُمْلَتِه طَاهِرٌ حَيًّا ومَيِّتًا، فكذلك بَعْضُه. وقال القاضي: هي [نَجِسَةٌ، حُكْمُها] (٣٥) حُكْمُ سَائِرِ العِظَامِ النَّجِسَةِ؛ لأنَّ ما أُبِينَ من حَيٍّ فهو مَيِّتٌ. وإنَّما حُكِمَ بِطَهَارةِ الجُمْلَةِ لِحُرْمَتِها، وحُرْمَتُها آكَدُ من حُرْمَةِ البَعْضِ، فلا يَلْزَمُ من الحُكْمِ بِطَهارَتِها الحُكْمُ بِطهارَةِ ما دُونَها.

فصل: وإذا كانَ على الأَجْسَامِ الصَّقِيلَة، كالسَّيْفِ والمِرْآةِ، نَجاسة، فَعُفِىَ عن يَسِيرِها، كالدَّمِ ونَحْوِه، عُفِىَ عن أثَرِ كَثِيرِها بالمَسْحِ؛ لأنَّ الباقى بعد المَسْحِ يَسِيرٌ. وإن كَثُرَ مَحَلُّه، عُفِىَ عنه، كيَسِيرِ غيرِه.


(٣٣) في أ، م: "فيعفى".
(٣٤) في الأصل: "يستضر".
(٣٥) في الأصل: "نجس حكمه".

<<  <  ج: ص:  >  >>