للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والزَّجْرِ، فلم يتَبَعّضْ، كسائرِ الحُدُودِ، ولا يَسْقُطُ بإسْقاطِ البعضِ؛ لأنَّه يرادُ لِدَفْعِ العارِ عن المَقْذُوفِ، كلُّ واحدٍ من العَصَباتِ يقومُ مقامَه فى اسْتِيفائِه، فيَثْبُتُ له جَمِيعُه، كوِلايةِ النِّكاحِ، ويُفارِقُ حقَّ القِصَاصِ؛ لأنَّ ذلك يفوتُ إلى بَدَلٍ، ولو أسْقَطْناه ههُنا، لَسَقَطَ حَقُّ غيرِ العافِى إلى غيرِ (١٧) بدلٍ. فعلى هذا، لو قَذَفَ امْرَأتَه فماتَتْ بعدَ المُطالبةِ، ولها أحدٌ من عَصَباتِها غيرُه، فله اسْتِيفاؤُه، وإن كان زَوْجُها عَصَبَتَها، وليس لها أحدٌ سِوَاهُ، سَقَطَ. وإن كان لها من عَصَبَتِها غيرُه، فله الطَّلَبُ به، ولا يَسْقُطُ؛ لما (١٨) ذَكَرْنا، من أنَّه يكْمُلُ لكلِّ واحدٍ، بخِلافِ القِصَاص.

فصل: وإذا قَذَفَ امرأتَه، وله بَيِّنة، تَشْهَدُ بزِنَاها، فهو مُخَيَّرٌ بين لِعَانِها وبين إقامةِ البَيِّنةِ؛ لأنَّهما بَيِّنتَانِ، فكانت له الخِيَرَةُ فى إقامةِ أيَّتِهما شاءَ، كمَنْ له بدَيْنٍ شاهِدانِ وشاهِدٌ وامْرَأتانِ، ولأنَّ كلَّ واحدةٍ منهما يَحْصُلُ بها ما لا يَحْصُلُ بالأُخْرَى، فإنَّه يحْصُلُ باللِّعانِ نَفْىُ النَّسَبِ الباطلِ، ولا يحصلُ ذلك بالْبَيِّنةِ، ويحصُلُ بالبَيِّنةِ ثُبُوتُ زِناها، وإقامةُ الحدِّ عليها، ولا يحصُلُ باللِّعانِ، فإن لَاعَنَها (١٩) ونَفَى وَلَدَها، ثم أراد إقامةَ البَيِّنةِ، فله ذلك، فإذا أقامَها، ثَبَتَ مُوجَبُ اللِّعانِ ومُوجَبُ البَيِّنَةِ، وإن أقامَ البَيِّنةَ أوّلًا، ثَبَتَ الزِّنَى ومُوجَبُه، ولم يَنْتَفِ عنه الولدُ؛ فإنَّه لا يَلْزَمُ من الزِّنَى كَوْنُ الولدِ منه. وإن أراد لِعانها بعدَ ذلك، وليس بينهما ولدٌ يريدُ نَفْيَه، لم يكُنْ له ذلك؛ لأنَّ الحدِّ قد انْتَفَى عنه بإقامةِ البَيِّنةِ، فلا حاجةَ إليه، وإن كان بينهما ولدٌ يُرِيدُ نَفْيَه، فعلى قولِ القاضِى، له أَن يُلَاعِنَ. وقد ذكرْنا ذلك فيما مضَى.

فصل: وإن قَذَفَها، فطالَبَتْه بالحدِّ، فأقامَ شاهِدَيْنِ على إقْرارِها بالزِّنَى، سَقَطَ عنه الحَدُّ؛ لأنَّه ثَبَتَ تَصْدِيقُها إيَّاه، ولم يَجِبْ عليها الحدُّ (٢٠)؛ لأنَّ الحدَّ لا يجبُ إلَّا


(١٧) فى م: "غيره".
(١٨) فى أ، ب، م: "بما".
(١٩) فى الأصل: "لعانها".
(٢٠) سقط من: الأصل، ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>