للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُقِيمَ له، وكذلك جميعُهم، وهذا قولُ عُرْوةَ؛ لأنَّهم إذا اجْتَمعُوا على طَلَبِه، وقَعَ اسْتيفاؤُه لِجَمِيعِهم (٥)، وإذا طَلَبَه واحِدٌ مُنْفَرِدًا، كان استيفاؤُه له وَحْدَه، فلم يسْقُطْ حَقُّ الباقِين بغيرِ اسْتيفائِهم ولا إسْقاطِهم.

فصل: وإن قَذَفَ الجماعَةَ بكلماتٍ، فلكلِّ واحِدٍ حَدٌّ. وبهذا قال عَطَاءٌ، والشَّعْبِىُّ، وقَتادَةُ، وابنُ أبي ليلى، وأبو حنيفةَ، والشَّافِعِىُّ. وقال حَمَّادٌ، ومالِكٌ: لا يَجِبُ إلَّا حَدٌّ واحِدٌ؛ لأنَّها جنايَةٌ تُوجِبُ حَدًّا، فإذا تَكَرَّرَتْ كَفَى حَدٌّ واحِدٌ، كما لو سَرَقَ مِن جماعَةٍ، أو زَنَى بنساءٍ، أو شَرِبَ أنْواعًا من المُسْكِرِ. ولَنا، أنَّها حُقوقٌ، لآدَمِيِّين، فلم تتداخلْ، كالدُّيونِ والقِصَاصِ. وفارَقَ ما قاسُوا عليه. فإنَّه حَقٌّ للَّه تعالى.

فصل: وإذا قال لرَجلٍ (٦): يا ابنَ الزَّانِيَيْنِ. فهو قاذِفٌ لهما بكلِمةٍ واحِدَةٍ، فإن كانَا مَيِّتَيْنِ، ثبتَ الحَقُّ لوَلدِهما، ولم يجبْ إلَّا حَدٌّ واحِدٌ، وجهًا واحدًا. وإن قال: يا زَانِى ابنَ الزَّانِى. فهو قَذْفٌ لهما بِكَلِمَتَيْنِ، فإن كانَ أبوه حَيًّا، فلكلِّ واحِدٍ منهما حَدٌّ، وإن كان مَيِّتًا، فالظاهِرُ في المذْهَبِ أنَّه لا يجبُ الحَدُّ بقَذْفِه. وإن قال: يا زَانِى ابنَ الزَّانِيَةِ. وكانت أمُّهُ في الحياةِ، فلكُلِّ واحِدٍ حَدٌّ، وإن كانتْ مَيِّتَةً، فالقَذْفانِ جميعًا له. وإن قال: زَنَيْتَ بفُلانَةَ. فهو قذفٌ لهما بكلمةٍ واحدةٍ. وكذلك إذا قالَ: يا ناكِحَ اُمِّهِ. ويُخَرَّجُ فيه الرِّواياتُ الثَّلاثُ. واللهُ أعلمُ.

فصل: وإن قذفَ رجلًا مرَّاتٍ، فلم يُحَدَّ، فَحَدٌّ واحِدٌ، روايةً واحِدَةً، سواءٌ قَذَفَه بِزنًى واحِدٍ، أو بزَنَياتٍ. وإن قَذَفَه فَحُدَّ، ثم أعادَ قَذْفَه، نَظَرْتَ؛ فإنْ قَذَفَه بذلك الزِّنَى الذي حُدَّ من أجْلِهِ، لم يُعَدْ عليه الحَدُّ، في قولِ عامَّةِ أهلِ العلمِ. وحُكِىَ عن ابنِ القاسِمِ، أنَّه أَوْجَبَ حدًّا ثانيًا. وهذا يُخالِفُ إجماعَ الصحابةِ، فإنَّ أبا بَكْرةَ لَمَّا حُدَّ


(٥) في ب، م: "بجميعهم".
(٦) في م: "الرجل".

<<  <  ج: ص:  >  >>