للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طالَبُوا، أوْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ)

وبهذا قالَ طاوسٌ، والشَّعْبِىُّ، والزُّهْرِىُّ، والنَّخَعِىُّ، وقَتَادَةُ، وحَمَّادٌ، ومالِكٌ، والثَّورِىُّ، وأبو حنيفةَ، وصاحباه، وابنُ أبي ليلى، وإسحاقُ. وقال الحَسَنُ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ: لكلِّ واحِدٍ حَدٌّ كَامِلٌ. وعن أحمدَ مثلُ ذلك. وللشَّافِعِى قولانِ، كالرِّوَايَتَيْنِ. ووَجْهُ هذا أنَّه قَذَفَ كُلَّ واحِدٍ منهم، فلَزِمَه له حَدٌّ كامِلٌ، كما لو قَذَفَهم بكلماتٍ. ولَنا، قولُ اللهِ تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} (١). ولم يُفَرِّقْ بينَ قَذْفِ واحدٍ أو جماعَةٍ، ولأنَّ الذين شَهِدُوا على المُغِيرَةِ قَذَفُوا امرأةً، فلم يَحُدَّهم عمرُ إلَّا حَدًّا واحِدًا (٢)، ولأنَّه قَذْفٌ واحِدٌ، فلم يجبْ إلَّا حَدٌّ واحِدٌ، كما لو قَذَفَ واحِدًا، ولأنَّ الحَدَّ إنَّما وَجَبَ بإدْخالِ الْمَعَرَّةِ على المقْذُوفِ بقَذْفِه، وبحدٍّ واحِدٍ يَظْهَرُ كَذِبُ هذا القاذِفِ، وتَزُولُ الْمَعَرَّةُ، فوجبَ أن يُكْتَفَى به، بخِلافِ ما إذا قذَفَ كُلَّ واحِدٍ قذفًا مُفردًا، فإنَّ كَذِبَه في قَذْفٍ لا يَلْزَمُ منه كَذِبُه في آخَرَ (٣)، ولا تزولُ الْمَعَرَّةُ عن أحَدِ المَقْذُوفَيْنِ بحَدِّه للآخَرِ. فإذا ثَبَتَ هذا، فإنَّهم إن طَلَبُوه (٤) جُمْلةً، حُدَّ لهم، وإن طلبَه واحِدٌ، أُقيم الحَدُّ؛ لأنَّ الحَقَّ ثابِتٌ لهم على سَبِيلِ البَدَلِ، فأيُّهم طالبَ به اسْتَوْفَى وسقطَ، فلم يكُنْ لغيرِه الطلبُ به، كحَقِّ المرأةِ على أوْليائِها تَزْويجُها، إذا قامَ به واحِدٌ سقطَ عن الباقِينَ. وإن أسْقَطَه أحدُهم، فلغَيْرِه المُطالبةُ به واسْتِيفاؤُه؛ لأنَّ الْمَعَرَّةَ عنه لم تَزُلْ بعَفْوِ صاحبِه، وليس للعافِى الطَّلبُ به؛ لأنَّه قد أسْقَطَ حَقَّه منه. ورُوِىَ عن أحمدَ، رَحِمَه اللهُ، روايةٌ أُخْرَى، أنَّهم إن طلبُوه دَفْعَةً واحِدَةً، فحَدٌّ واحِدٌ، وكذلك إن طلبُوه واحدًا بعدَ واحِدٍ، إلَّا أنَّه إنْ لم يُقَمْ حتى طَلَبَهُ الكُلُّ، فَحَدٌّ واحِدٌ، وإن طلبَه واحدٌ، فأُقِيمَ له، ثم طَلَبَه آخَرُ


(١) سورة النور ٤.
(٢) تقدم تخريجه، في: ١١/ ١٨٤.
(٣) في الأصل: "الآخر".
(٤) في الأصل: "طلبوا".

<<  <  ج: ص:  >  >>