للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- الرّجُلَيْن، رواه مُسْلِم (١٨). ولأنَّه سَقَطَ القتلُ بإسْلامِه، فبَقِىَ باقِى الخِصالِ على ما كانَتْ عليه. ولَنا، أنَّه أسيرٌ يحْرُمُ قَتْلُه، فصارَ رقيقًا كالمَرْأةِ، والحديثُ لا يُنافِى رِقَّه، فقد يُفادَى بالمرأةِ وهى رَقيقٌ، كما رَوَى سَلَمَةُ بن الأَكْوَع، أنَّه غَزَا مع أبى بَكْرٍ، فنَفَّلَه امرأةً، فوَهَبَها النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبَعَثَ بها إلى أهْلِ مكَّةَ، وفى أيْديهِم أُسارَى، ففَداهم بتِلْك الْمَرْأَة (١٩). إلَّا أنَّه لا يُفادَى به، ولا يُمَنُّ عليه، إلَّا بإذْنِ الغانِمين؛ لأنَّه صارَ مالًا لهُم. ويحْتَمِلُ أنْ يجوزَ الْمَنُّ عليه؛ لأنَّه كان يجوزُ المنُّ عليه مع كُفْرِه، فمعَ إسْلامِه أوْلَى، لكَوْنِ الإِسلام حَسَنةً يقْتَضِى إكْرامَه، والإِنْعامَ عليه، لا مَنْعَ ذلك في حقِّه. ولا يجوزُ رَدُّه إلى الكُفَّارِ، إلَّا أنْ يكونَ له ما يَمْنَعُه مِنَ المشركين، مِنْ عَشِيرَةٍ أو نَحْوِها، وإنَّما جازَ فِداؤُه، لأنَّه يَتَخَلَّصُ به من الرِّقِّ. فأمّا إنْ أسْلَمَ قبلَ أسْرِه، حَرُمَ قتلُه واسْتِرْقاقُه والمُفاداةُ به، سواءٌ أسلمَ وهو في حِصْنٍ، أو جَوْفٍ، أو مَضِيقٍ، أو غيرِ ذلك؛ لأنَّه لم يحْصُلْ في أيْدِى الغانِمين بعدُ.

فصل: فإنْ سألَ الأُسارَى من أهلِ الكتابِ تخْلِيتَهُم على إعْطاءِ الجِزْيَةِ، لم يجُزْ ذلك في نسائِهم وذَرارِيهم؛ لأنَّهم صارُوا غنيمةً بالسَّبْىِ، وأمَّا الرِّجالُ، فيجوزُ ذلك فيهم، ولا يزولُ التَّخْيِيرُ الثابتُ فيهم. وقال أصحابُ الشافِعِىِّ: يحْرُمُ قتلُهم، كما لو


(١٨) في: باب لا وفاء لنذر في معصية اللَّه ولا فيما لا يملك العبد، من كتاب النذر. صحيح مسلم ٣/ ١٢٦٢، ١٢٦٣.
كما أخرجه أبو داود، في: باب النذر فيما لا يملك، من كتاب الأيمان والنذور. سنن أبي داود ٢/ ٢١٤. والدارمى، في: باب إذا أحرز العدو من مال المسلمين، من كتاب السير. سنن الدارمي ٢/ ٢٣٦، ٢٣٧. والإِمام أحمد، في: المسند ٤/ ٤٣٠، ٤٣٣، ٤٣٤. وعبد الرزاق، في: باب قتل أهل الشرك صبرا وفداء الأسرى، من كتاب الجهاد. المصنف ٥/ ٢٠٦ - ٢٠٨. والبيهقي، في: باب ما يفعله بالرجال البالغين منهم، من كتاب السير. السنن الكبرى ٩/ ٦٧.
(١٩) أخرجه مسلم: في: باب التنفيل وفداء المسلمين بالأسارى، من كتاب الجهاد. صحيح مسلم ٣/ ١٣٧٥، ١٣٧٦. وأبو داود، في: باب الرخصة في المدركين يفرق بينهم، من كتاب الجهاد. سنن أبي داود ٢/ ٥٨، ٥٩. وابن ماجه، في: باب فداء الأسارى، من كتاب الجهاد. سنن ابن ماجه ٢/ ٩٤٩. والإِمام أحمد، في: المسند ٤/ ٤٦، ٤٧، ٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>