للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحَسَنِ؛ لأنَّ الإِجَارَةَ مَعْقُودَةٌ على العَمَلِ، والمُدّةُ مَذْكُورَةٌ لِلتَّعْجِيلِ، فلا يَمْتَنِعُ (١٤) ذلك. فعلى هذا، إذا فَرَغَ العَمَلُ قبلَ انْقِضَاءِ المُدّةِ، لم يَلْزَمْهُ العَمَلُ في بَقِيَّتِها؛ لأنَّه وَفَّى ما عليه قبلَ مُدَّتِه، فلم يَلْزَمْهُ شيءٌ آخَرُ، كما لو قَضَى الدَّيْنَ قبلَ أجَلِه، وإن مَضَتِ المُدَّةُ قبلَ العَمَلِ، فلِلْمُسْتَأْجِرِ فَسْخُ الإِجَارَةِ؛ لأنَّ الأَجِيرَ لم يَفِ له بِشَرْطِه. وإن رَضِىَ بالبَقَاءِ عليه، لم يَمْلِك الأجِيرُ الفَسْخَ؛ لأنَّ الإِخْلالَ بالشَّرْطِ منه، فلا يكونُ ذلك وَسِيلةً له إلى الفَسْخِ، كما لو تَعَذَّرَ أدَاءُ المُسْلَمِ فيه في وَقْتِه، لم يَمْلِك المُسْلَمُ إليه الفَسْخَ، ويَمْلِكهُ المُسْلِمُ. فإن اخْتارَ إمْضَاءَ العَقْدِ، طَالَبَهُ بالعَمَلِ لا غيرُ، كالمُسْلِمِ (١٥) إذا صَبَرَ عند تَعَذُّرِ المُسْلَمِ فيه إلى حينِ وُجُودِه. لم يكُنْ له أكْثَرُ من المُسْلَمِ فيه. وإن فَسَخَ العَقْدَ قبلَ عَمَلِ شيءٍ من العَمَلِ، سَقَطَ الأجْرُ والعَمَلُ. وإن كان بَعد عَمَلِ شيءٍ منه، فله أجْرُ مِثْلِه؛ لأنَّ العَقْدَ قد انْفَسَخَ، فسَقَطَ المُسَمَّى، ورَجَعَ إلى أجْرِ المِثْلِ.

فصل: ومن اكْتَرَى دَابّةً إلى العِشَاءِ، فآخِرُ المُدَّةِ إلى غُرُوبِ الشَّمْسِ. وبهذا قال الشافِعِىُّ، وقال أبو حنيفةَ، وأبو ثَوْرٍ: آخِرُها زَوَالُ الشَّمْسِ؛ لأنَّ العِشَاءَ آخِرُ النَّهارِ، وآخِرُ النَّهارِ النِّصْفُ الآخَر من الزَّوَالِ، ولذلك جاء في حَدِيثِ ذِى اليَدَيْنِ، عن أبي هُرَيْرةَ، قال: صَلَّى بِنَا النَّبىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إحْدَى صَلَاتَىِ العَشِىِّ يَعْنِى [الظُّهْرَ أو العَصْرَ] (١٦). هكذا تَفْسِيرُه. ولَنا، قولُ اللَّه تعالى: {مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ} (١٧) يَعْنِى العَتَمَةَ. وقال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَوْلَا أنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِى لأَخَّرْتُ الْعِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ" (١٨). وإنَّما تَعَلَّقَ الحُكْمُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ، لأنَّ هذه


(١٤) في ب: "يمنع".
(١٥) في الأصل: "وكالمسلم".
(١٦) في الأصل: "صلاة الظهر والعصر".
وتقدم تخريج الحديث في: ٢/ ٤٠٤.
(١٧) سورة النور ٥٨. ولم يرد في ب، م: {ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ}.
(١٨) تقدم تخريجه في: ٢/ ٤٢. =

<<  <  ج: ص:  >  >>