للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الزَّوْرَاءِ. رَوَاه البُخَارِيُّ (٢). وأمَّا قَوْلُه: "هذا الأذَانُ الذي يَمْنَعُ البَيْعَ ويُلْزِمُ السَّعْىَ". فلأَنَّ اللهَ تعالى أمَرَ بالسَّعْىِ، ونَهَى عن البَيْعِ بعد النِّدَاءِ، بقَوْلِه سُبْحَانَه: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} (٣). والنِّدَاءُ الذي كان على عَهْدِ رَسولِ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- هو النِّدَاءُ عَقِيبَ جُلُوسِ الإِمامِ على المِنْبَرِ، فتَعَلَّقَ الحُكْمُ به دونَ غيرِه، ولا فَرْقَ بين أن يكُونَ ذلك قبلَ الزَّوَالِ أو بعدَه. وحَكَى القاضي رِوَايَةً عن أحمدَ، أنَّ البَيْعَ يحْرُمُ بزَوَالِ الشَّمْسِ، وإن لم يَجْلِس الإِمامُ على المِنْبَرِ. ولا يَصِحُّ هذا؛ لأنَّ اللهَ تعالى عَلَّقَه على النِّداءِ، لا على الوَقْتِ، ولأنَّ المَقْصُودَ بهذا إدْرَاكُ الجُمُعَةِ، وهو يَحْصُلُ بما ذَكَرْنا دون ما ذَكَرَهُ، ولو كان تَحْرِيمُ البَيْعِ مُعَلَّقًا بالوَقْتِ لمَا اخْتَصَّ بالزَّوَالِ، فإنَّ ما قَبْلَه وَقْتٌ أيضًا، فأمَّا من كان مَنْزِلُه بَعِيدًا لا يُدْرِكُ الجُمُعَةَ بالسَّعْىِ (٤) وَقْتَ النِّدَاءِ، فعليه السَّعْيُ في الوَقْتِ الذي يكونُ به مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ؛ لأنَّ الجُمُعَةَ وَاجِبَةٌ، والسَّعْيُ قبلَ النِّدَاءِ من ضَرُورَةِ إدْرَاكِها، وما لا يَتِمُّ الوَاجِبُ إلَّا به وَاجِبٌ، كاسْتِقَاءِ الماءِ من البِئْرِ لِلوُضُوءِ إذا لم يَقْدِرْ على غيرِه، وإمْسَاكِ جُزْءٍ من اللَّيْلِ مع النَّهارِ في الصَّوْمِ، ونحوِهما.

فصل: وتَحْرِيمُ البَيْعِ، وَوُجُوبُ السَّعْيِ، مُخْتَصٌّ (٥) بالمُخَاطَبِينَ بالجُمُعَةِ،


(٢) في: باب المؤذن الواحد يوم الجمعة، وباب التأذين عند الجمعة، من كتاب الجمعة. صحيح البخاري ٢/ ١٠، ١١.
كما أخرجه أبو داود، في: باب النداء يوم الجمعة، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود ١/ ٢٥٠. والترمذي، في: باب ما جاء في أذان الجمعة، من أبواب الجمعة. عارضة الأحوذى ٢/ ٣٠٤، ٣٠٥. والنسائي، في: باب الأذان للجمعة، من كتاب الجمعة. المجتبى ٣/ ٨١، ٨٢. وابن ماجه، في: باب ما جاء في الأذان يوم الجمعة، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه ١/ ٣٥٩.
(٣) سورة الجمعة ٩.
(٤) سقط من: الأصل.
(٥) في م: "يختص".

<<  <  ج: ص:  >  >>