للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى مُباشرَتِه، ولم يكُنْ له مَن يَكْفِيه، جازَ ذلك، ولم يُكْرَهْ؛ لأنَّ أبا بكرٍ، رَضِىَ اللهُ عنه، قصدَ السُّوقَ لِيَتَّجِرَ فيه، حتى فَرَضُوا له ما يَكْفِيه، ولأنَّ القيامَ بعِيَالِه فرضُ عَيْنٍ، فلا يَتْرُكُه لوَهْمِ مَضَرَّةٍ، وإنَّما (١٩) إذا اسْتَغْنَى عن مُباشَرتِه، ووجدَ مَن يَكْفِيه ذلك، كُرِهَ له؛ لما ذكرْنا من المَعْنَيَيْنِ. وينْبَغِى أن يُوَكِّلَ في ذلك مَن لا يُعْرَفُ أنَّه وَكيلُه؛ لئلَّا يُحابَى. وهذا مذهبُ الشَّافعيِّ. وحُكِىَ عن أبي حنيفةَ، أنَّه قال: لا يُكْرَهُ له البيعُ والشِّراءُ وتَوْكيلُ مَن يُعْرَفُ؛ لما ذكرْنا مِن قَضيَّةِ أبي بكرٍ، رَضِىَ اللهُ عنه. ولَنا، ما ذكرْناه. ورُوِىَ عن شُرَيْحٍ، أنَّه قال: شَرَطَ عليَّ عمرُ حينَ وَلَّانِى القضاءَ أنْ لا أبيعَ، ولا أبْتَاعَ، ولا أرْتَشِىَ، ولا أقْضِىَ وأنا غَضْبانُ (٢٠). وقَضِيَّةُ أبي بكرٍ حُجَّةٌ لَنا؛ فإنَّ الصحابةَ أنْكَرُوا عليه، فاعْتذرَ بحِفْظِ عِيَالِه عنِ الضَّياعِ، فلمَّا أغْنَوهُ عن البيعِ والشِّراءِ بما فَرَضوا له (٢١)، قبِلَ قولَهم، وتركَ التجارةَ، فحصَلَ الاتِّفاق منهم على تَرْكِها عندَ الغِنَى عنها.

فصل: ويجوزُ للحاكمِ حُضورُ الوَلائمِ؛ لأنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يحضرُها، ويأمرُ بحُضورِها، وقال: "مَنْ لَمْ يُجِبْ فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ" (٢٢). فإن كثُرَتْ وازْدحمتْ، ترَكَها كلَّها، ولم يُجِبْ أحدًا؛ لأنَّ ذلك يَشْغَلُه عن الحكم الذى قد تعيَّنَ عليه، لكنَّه يَعْتذِرُ إليهم، ويَسْألُهم التَّحْلِيلَ، ولا يُجيبُ بعضًا دونَ بعضٍ؛ لأنَّ في ذلك كَسْرًا لقلبِ مَن لم يُجِبْه، إلَّا أنْ يَخْتَصَّ بعضُها بعُذْرٍ يَمْنعُه دونَ بعضٍ، مثل أن يكونَ في إحْداهما مُنْكَرٌ، أو تكونَ في مكانٍ بعيدٍ، أو يَشْتغِلَ بها زَمنًا طويلًا، والأُخْرَى بخلافِ ذلك، فله الإِجابةُ إليها دونَ الأُولَى؛ لأنَّ عُذْرَه ظاهرٌ في التَّخلُّفِ عن الأُولَى.

فصل: وله عِيادَةُ المَرْضَى، وشُهودُ الجنائزِ، وإتْيانُ مَقْدَمِ الغائبِ، وزيارةُ إخوانِه والصَّالحينَ مِن الناسِ؛ لأنَّه قُرْبةٌ وطاعةٌ، وإن كثُرَ ذلك، فليس له الاشْتِغالُ به عن الحُكمِ؛ لأنَّ هذا تبرُّعٌ، فلا يَشْتغِلُ به عن الفَرْضِ (٢٣)، وله حُضورُ البعضِ دونَ البعضِ؛ لأنَّ


(١٩) في م: "وأما".
(٢٠) انظر: تلخيص الحبير ٤/ ١٩٥. وإرواء الغليل ٨/ ٢٥٠.
(٢١) في م: "لهم".
(٢٢) تقدم تخريجه، في: ١٠/ ١٩٤، الحديث الثالث.
(٢٣) في النسخ: "الغرض".

<<  <  ج: ص:  >  >>