للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من غيرِ مَنْ يَشْتَرِى منه، ولو كان ذلك مُحَرَّمًا لَبَيَّنَهَ له، [وعَرَّفَهُ] (١٩) إيَّاهُ. ولأنَّه باعَ الجِنْسَ بغيرِه مِن غيرِ شَرْطٍ، ولا مُوَاطَأَةٍ، فجازَ، كما لو باعَهُ من غيرِه. ولأنَّ ما جازَ من البِياعاتِ مَرَّةً، جازَ على الإطْلاقِ، كسائِرِ البِياعاتِ. فأمَّا إن تَوَاطَأَ على ذلك، لم يَجُزْ، وكان حِيلَةً مُحَرَّمَةً، وبه قال مالكٌ. وقال أبو حنيفةَ، والشَّافِعِىُّ: يَجوزُ، ما لم يَكُنْ مَشْروطًا فى العَقْدِ. ولَنا، أنَّه إذا كانَ عن مُوَاطَأَةٍ كان حِيلَةً، والحِيَلُ مُحَرَّمَةٌ، على ما سَنَذْكُرُهُ.

فصل: والحِيَلُ كلُّها مُحَرَّمَةٌ، غيرُ جَائِزَةٍ فى شىءٍ من الدِّينِ، وهو أن يُظْهِرَ عَقْدًا مُباحًا يُريدُ به مُحَرَّمًا، مُخادَعَةً وتَوَسُّلًا إلى فِعْلِ ما حَرَّمَ اللهُ، واسْتِباحَةِ مَحْظُوراتِه، أو إسْقاطِ واجِبٍ، أو دَفْعِ حَقٍّ، ونحوَ ذلك. قال أيُّوبُ السَّخْتِيانِىُّ: إنَّهم ليُخادِعونَ اللهَ، كأنَّما يُخادِعون صَبِيًّا، لو كانوا يَأْتونَ الأَمْرَ على وَجْهِه كان أَسْهَلَ عَلَىَّ. فمن ذلك؛ ما لو كان مع رَجُلٍ عَشَرَةٌ صِحاحٌ، ومع الآخَرِ خَمْسَةَ عَشَرَ مُكَسَّرَةٌ، فاقْتَرَضَ كلُّ واحِدٍ منهما ما مع صاحِبِه، ثم تَبارَيا، تَوَصُّلًا إلى بَيْعِ الصِّحاحِ بالمُكَسَّرَةِ مُتَفَاضِلًا، أو بَاعَهُ الصِّحاحَ بمِثْلِها من المُكَسَّرَةِ، ثم وَهَبَهُ الخَمْسَةَ الزَّائِدَةَ، أو اشْتَرَى منه بها أُوقِيَّةَ صَابُونٍ، أو نحوَها ممَّا (٢٠) يَأْخُذُه بأَقَلَّ من قِيمَتِه، أو اشْتَرَى منه بِعَشَرَةٍ إلَّا حَبَّةً من الصَّحِيح مثلَها من المُكَسَّرَةِ، ثم اشْتَرَى منه بالحَبَّةِ الباقِيَةِ ثَوْبًا قِيمَتُه خَمْسَةُ دنانيرَ. وهكذا لو أقْرَضَه شَيْئًا، أو باعَهُ سِلْعَةً بأَكْثَرَ من قيمَتِها، أو اشْتَرَى منه سِلْعَةً بأقَلَّ من قيمَتِها تَوَسُّلًا (٢١) إلى أخْذِ عِوَضٍ عن القَرْضِ، فكلُّ ما كانَ من هذا على وَجْهِ الحِيلَةِ فهو خَبيثٌ مُحَرَّمٌ. وبهذا قال


= مثلا بمثل، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم ٣/ ١٢١٥.
كما أخرجه النسائى، فى: باب بيع التمر بالتمر متفاضلا، من كتاب البيوع. المجتبى ٧/ ٢٣٨. والإِمام مالك، فى: باب ما يكره من بيع التمر، من كتاب البيوع. الموطأ ٢/ ٦٢٣.
(١٩) فى الأصل: "أو عرفه".
(٢٠) فى م: "ما".
(٢١) فى م: "توصلًا".

<<  <  ج: ص:  >  >>