للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مالكٌ. وقال أبو حنيفةَ، والشَّافِعِىُّ: ذلك كلُّه وأشباهُه جائِزٌ، إذا لم يَكُنْ مَشْروطًا فى العَقْدِ. وقال بعضُ أصحابِ الشَّافِعِىِّ: يُكْرَهُ أن يَدْخُلا فى البَيْعِ على ذلك؛ لأنَّ كلَّ ما لا يَجوزُ شَرْطُه فى العَقْدِ يُكْرَهُ أن يَدْخُلا عليه. ولَنا، أنَّ اللَّه تَعَالَى عَذَّبَ اُمَّةً بِحيلَةٍ احْتالُوها، فمَسَخَهم قِرَدَةً، وسَمَّاهم مُعْتَدينَ، وجَعَلَ ذلك نَكالًا ومَوْعِظَةً لِلْمُتَّقينَ؛ لِيَتَّعِظوا بهم، ويَمْتَنِعوا من مثلِ أَفْعالِهم. وقال بعضُ المُفَسِّرينَ فى قولِهِ تَعَالَى: {وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} (٢٢). أى لأُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَرُوِىَ أنَّهم كانوا يَنْصِبونَ شِباكَهم لِلْحيتانِ يومَ الجُمُعَةِ، ويَتْرُكونَها إلى يومِ الأَحَدِ، ومنهم مَنْ كانَ يَحْفِرُ حَفائِرَ، ويَجْعَلُ إليها مَجارِىَ، فَيَفْتَحُها يَوْمَ الجُمُعَةِ، فإذا جاءَ السَّمَكُ يومَ السَّبْتِ، جَرَى مع الماءِ فى المَجارِى، فيَقَعُ فى الحَفائِرِ، فيَدَعُها إلى يومِ الأحَدِ، ثم يَأْخُذُها، ويقولُ: ما اصْطَدْتُ يومَ السَّبتِ، ولا اعْتَدَيْتُ فيه. فهذه حيلَةٌ. وقال النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من أدْخَلَ فَرَسًا بين فَرَسَيْنِ، وقد أمِنَ أن يَسْبِقَ، فهو قِمارٌ، ومن أدْخَلَ فَرَسًا بين فَرَسَيْنِ، وهو لا يَأْمَنُ أن يَسْبِقَ، فليس بِقِمارٍ". رَواهُ أبو داودَ، وغيرُه (٢٣). فجَعَلَهُ قِمارًا مع إدْخالِه الفَرَسَ الثَّالِثَ؛ لِكَوْنِه لا يَمْنَعُ مَعْنَى القِمارِ، وهو كونُ كلِّ واحِدٍ من المُتَسابِقَيْنِ لا يَنْفَكُّ عن كونِه آخِذًا، أو مَأْخُوذًا منه، وإنَّما دَخَلَ صُورَةً، تَحَيُّلًا على إباحَةِ المُحَرَّمِ، وسائِرُ الحِيَلِ مثلُ ذلك. ولأنَّ اللَّه تَعَالَى إنَّما حَرَّمَ هذه (٢٤) المُحَرَّماتِ لِمَفْسَدَتِها، والضَّرَرِ الحاصِلِ منها. ولا تَزولُ مَفْسَدَتُها مع بَقاءِ (٢٥) مَعْناهَا، بإظْهارِهِما صُورَةً غيرَ صُورَتِها، فوَجَبَ أن لا يَزولَ التَّحْريمُ، كما لو سَمَّى الخَمْرَ بغيرِ اسْمِها، لم يُبِحْ ذلك شُرْبَها، وقد جاءَ عن النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لَيَسْتَحِلَّنَ قَوْمٌ من أُمَّتِى الخَمْرَ يُسَمُّونَها بِغَيْرِ


(٢٢) سورة البقرة ٦٦.
(٢٣) أخرجه أبو داود، فى: باب فى المحلل، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود ٢/ ٢٨، ٢٩. وابن ماجه، فى: باب السبق والرهان، من كتاب الجهاد. سنن ابن ماجه ٢/ ٩٦٠.
(٢٤) سقط من: م.
(٢٥) فى م: "إبقاء".

<<  <  ج: ص:  >  >>