للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَتِمَّةَ عَشَرَةِ أيامٍ، وإِنْ وَجَدَ اثْنَيْن، رَدّدَ عليهما خَمْسَةَ أيامٍ، وعلى هذا. ونحوُ هذا قولُ (٥) الثَّوْرِىِّ. وهو اخْتِيارُ أكثرِ الأَصْحابِ. وعن أحمدَ، رِوايَةٌ أخْرَى، لا يُجْزِئُه إِلَّا كمالُ العَدَدِ. وهو مذهبُ مالِكٍ، والشافِعِىِّ، لما ذكرْنا فى حالِ القُدْرَةِ. ولَنا، أَنَّ تَرْديدَ الإِطْعامِ فى عَشَرَةِ أيَّامٍ، فى مَعْنَى إطعامِ عَشَرَةٍ؛ لأنَّه يَدْفَعُ الحاجَةَ فى عَشَرَةِ أيَّامٍ، فأشْبَهَ ما لو أطعَمَ فى كلِّ يومٍ واحِدًا، والشىءُ بمَعْناه يقومُ مَقامَه بصُورَته عندَ تعذُّرِها، ولهذا شُرِعَتْ الأبْدالُ، لقيامِها مَقامَ المُبْدَلاتِ فى المَعْنَى، ولا يُجْتَزَأُ بها مع القُدْرَةِ على المُبْدَلات، كذا ههُنا.

فصل: وإِنْ أَطْعَمَ كُلَّ يومٍ مِسْكِينًا، حتى أكْمَلَ العَشَرَةَ، أجْزَأَه، بلا خِلافٍ نَعْلَمُه؛ لأنَّ الواجبَ إطعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ، وقد أَطْعَمَهُمْ. وإِنْ دَفَعَها إلى مَنْ يَظُنُّه مِسْكِينًا، فبانَ غَنِيًّا، ففى ذلك وَجْهانِ، بِناءً على الرِّوايَتَيْنِ فى دفْعِ الزَّكاةِ إليه؛ أحدُهما، لا يُجْزِئُه. وهو قَوْلُ الشافِعِىِّ، وأبى يوسفَ، وأبى ثَوْرٍ، وابنِ المُنْذِرِ؛ لأنَّه لم يُطْعِم المساكينَ، فلم يُجْزِئْه، كما لو عَلِمَ. والثانى، يُجْزِئُه. وهو قولُ أبى حنيفةَ، ومحمدٍ؛ لأنَّه دَفَعَها إلى مَن يَظُنُّه مِسْكِينًا، وظاهِرُهُ المَسْكَنَةُ، فأَجْزَأَه، كما لو لم يَعْلَمْ حالَه، وهذا لأنَّ الفَقْرَ يَخْفى، وتَشُقُّ [معرِفَةُ حَقِيقَتِه] (٦)، قال اللَّه تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِى الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} (٧). فوَجَبَ أَنْ يَكتَفِىَ بظُهورِه وظَنِّه، وكذلك لمَّا سَأَلَ الرَجُلانِ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنَ الصَّدَقَةِ، قال: "إِنْ شِئْتُما أَعْطَيْتُكُما مِنْهَا، وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِىٍّ، ولَا لِقَوِىٍّ مُكْتَسِبٍ" (٨). وإِنْ بانَ كافِرًا أو عَبْدًا، لم يُجْزِئْه، وَجْهًا واحِدًا، كقَوْلِنا فى الزَّكاةِ؛ لأَنَّ ذلك لا يكادُ يَخْفَى، وليس هو فى مَظنَّةِ الْخَفاءِ، فإنْ كان الدافِعُ الإِمامَ، فأَخْطَأَ فى الفَقْرِ، لم يَضْمَنْ، وإِنْ أَخْطَأَ فى الحُرِّيَّةِ والإِسْلامِ، فهل يضْمَنُ؟ على وَجْهَيْن (٩)؛ بِناءً على خَطَأَهِ فى الْحَدِّ.


(٥) فى م: "قال".
(٦) فى ب: "معرفته وحقيقته".
(٧) سورة البقرة ٢٧٣.
(٨) تقدم تخريجه، فى: ٤/ ١١٧، ١١٨.
(٩) فى م: "الوجهين".

<<  <  ج: ص:  >  >>