للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولِلْمُعِيرِ الرُّجُوعُ في العارِيَّةِ أىَّ وَقْتٍ شَاءَ، سواءٌ كانت مُطْلَقَةً أو مُؤَقَّتَةً، ما لم يَأْذَنْ في شَغْلِه بشيءٍ يَتَضَرَّرُ بالرُّجُوعِ فيه. وبهذا قال أبو حنيفةَ، والشَّافِعِىُّ، وقال مالِكٌ: إن كانت مُؤَقَّتةً، فليس له الرُّجُوعُ قبلَ الوَقْتِ، وإن لم تُؤَقَّتْ له مُدَّة، لَزِمَهُ تَرْكُه مُدَّةً يُنْتَفَعُ بها في مِثْلِها؛ لأنَّ المُعِيرَ قد مَلَّكَهُ المَنْفَعَةَ في (٣٤) مُدَّةٍ، وصَارَتِ العَيْنُ في يَدِه بِعَقْدٍ مُبَاحٍ، فلم يَمْلِكِ الرُّجُوعَ فيها بغير اخْتِيَارِ المالِكِ، كالعَبْدِ المُوصَى بِخِدْمَتِه والمُسْتَأْجَرِ. ولَنا، أنَّ المَنَافِعَ المُسْتَقْبَلَةَ لم تَحْصُلْ في يَدِه، فلم يَمْلِكْها بالإِعَارَةِ، كما لو لم تَحْصُل العَيْنُ في يَدِه، وأمَّا العَبْدُ المُوصَى بخِدْمَتِه، فَلِلْمُوصِى الرُّجُوعُ، ولم يَمْلِك الوَرَثَةُ الرُّجُوعَ؛ لأنَّ التَّبَرُّعَ من غَيرِهم. وأمَّا المُسْتَأْجَرُ، فإنه مَمْلُوكٌ بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ، فيَلْزَمُ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنا. ويجوزُ لِلْمُسْتَعِيرِ الرَّدُّ متى شَاءَ. بغير خِلَافٍ نَعْلَمُه؛ لأنَّه إِباحَةٌ، فكانَ لِمَنْ أُبِيحَ له تَرْكُه، كإِبَاحَةِ الطَّعَامِ.

فصل: وإذا أَطْلَقَ المُدَّةَ في العارِيَّةِ، فله أن يَنْتَفِعَ بها ما لم يَرْجِعْ. وإن وَقَّتَها، فله أن يَنْتَفِعَ ما لم يَرْجِعْ، أو يَنْقَضِىَ الوَقْتُ؛ لأنَّه اسْتَباحَ ذلك بالإِذْنِ، ففيما عَدَا مَحلِّ الإِذْنِ يَبْقَى على أَصْلِ التَّحْرِيمِ. فإن كان المُعَارُ أَرْضًا، لم يكُنْ له أن يَغْرِسَ، ولا يَبْنِىَ، ولا يَزْرَعَ بعدَ الوَقْتِ أو الرُّجُوعِ، فإن فَعَلَ شيئا من ذلك، لَزِمَهُ قَلْعُ غَرْسِه وبِنَائِه، وحُكْمُه حُكْمُ الغاصِبِ في ذلك؛ لقولِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِم حَقٌّ" (٣٥). وعليه أَجْرُ ما اسْتَوْفاهُ من نَفْعِ الأَرْضِ على وَجْهِ العُدْوَانِ، ويَلْزَمُه القَلْعُ، وتَسْوِيَةُ الحَفْرِ، ونَقْصُ الأَرْضِ، وسائِرُ أحْكَامِ الغَصْبِ؛ لأنَّه عُدْوانٌ.

فصل: فإن أعَارَهُ شيئا يَنْتَفِعُ (٣٦) به انْتِفَاعًا يَلْزَمُ من الرُّجُوعِ في العَارِيَّةِ في أَثْنَائِه ضَرَرٌ بالمُسْتَعِيرِ، لم يَجُزْ له الرُّجُوعُ؛ لأنَّ الرُّجُوعَ يَضُرُّ بِالمُسْتَعِيرِ، فلم يَجُزْ له الإِضْرَارُ


(٣٤) سقط من: الأصل، أ.
(٣٥) تقدم تخريجه في: ٦/ ٥٥٨.
(٣٦) في أ، ب، م: "لينتفع".

<<  <  ج: ص:  >  >>