للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فى الحاجةِ والتَّساهُلِ فيها، ولا يَصِحُّ قياسُها على شهادةِ الأَصْلِ؛ لما ذكرْنا مِن الفَرْقِ، فبَطَلَ إثْباتُها. وظاهرُ كلامِ أحمدَ، أنَّها لا تُقْبَلُ فى القِصاص أيضًا، ولا حَدِّ القَذْفِ؛ لأَنَّه قال: إنَّما تَجوزُ فى الحقوقِ، أمَّا الدِّماءُ والحَدُّ فلا. وهذا قولُ أبى حنيفة. وقال مالكٌ، والشَّافعىُّ، وأبو ثَوْرٍ: تُقْبَلُ. وهو ظاهرُ كلامِ الْخِرَقِىِّ؛ لقولِه: فى كلِّ شىءٍ إِلَّا فى الحُدودِ. لأنَّه حَقُّ آدَمِىٍّ، لا يَسْقطُ بالرُّجوعِ عن الإِقْرارِ به، ولا يُسْتحَبُّ سَتْرُه، فأشْبَهَ الأموالَ. وذكرَ أصحابُنا هذا رِوايةً عن أحمدَ؛ لأنَّ ابنَ مَنْصورٍ نقلَ أَنَّ سُفيانَ قال: شَهادةُ رَجلٍ مَكانَ رجلٍ فى الطَّلاقِ جَائزةٌ. قال أحمدُ: ما أحْسَنَ ما قال. فجعلَه أصحابُنا رِوايةً فى القِصاصِ. وليس هذا برِوايةٍ؛ فإِنَّ الطَّلاقَ لا يُشْبِهُ القِصاصَ. والمذهبُ أنَّها لا تُقْبَلُ فيه؛ لأَنَّه (٤) عُقوبةٌ بَدَنِيَّهٌ، تُدْرَأُ بالشُّبُهاتِ، وتُبْنَى على الإِسْقاطِ، فأشْبهَتِ الحُدودَ، فأمَّا ما عدا الحُدودَ والقِصاصَ والأموالَ، كالنِّكاحِ والطَّلاقِ، وسائرِ ما لا يَثْبُتُ إِلَّا بشَاهِدَيْنِ، فنَصَّ أحمدُ على قَبُولِها فى الطَّلاقِ والحُقوقِ، فيَدُلُّ على قَبُولِها فى جميعِ هذه الحُقوقِ. وهو قولُ الْخِرَقِىِّ. وقال ابنُ حامدٍ: لا تُقْبَلُ فى النِّكاحِ. ونحوُه قولُ أبى بَكر. فعلَى قولِهما، لا تُقْبَلُ إِلَّا فى المالِ، وما يُقْصَدُ به المالُ. وهو قولُ أبى عُبَيْدٍ؛ لأَنَّه حَقٌّ لا يثْبُتُ إِلَّا بشاهِدَيْنِ، فأشْبَهَ حَدَّ القَذْفِ. ووَجْهُ الأوَّلِ، أنَّه حَقٌّ لا يُدْرَأُ بالشُّبُهاتِ، فيَثْبُتُ بالشَّهادةِ [على الشَّهادةِ] (٥)، كالمالِ، وبهذا فارَقَ الحُدود.

الفصلُ الثالثُ: فى شُروطِها، ولها ثلاثة شُروطٍ؛ أحدُها، أن تتعذَّرَ شهادةُ الأصلِ؛ لمَوْتٍ، أو غَيْبَةٍ، أو مَرضٍ، أو حَبْسٍ، أو خَوفٍ من سُلْطانٍ [أو غيرِه] (٦). وبهذا قال مالكٌ، وأبو حنيفةَ، والشَّافعىُّ. وحُكِىَ عن أبى يوسف، ومحمدٍ، جَوازُها مع القُدْرةِ على شَهادةِ الأصْلِ، قياسًا على الرِّوايةِ وأخْبارِ الدِّياناتِ. ورُوِىَ عن الشَّعْبِىِّ، أنَّها لا تُقْبَلُ إِلَّا أن يَمُوتَ شاهدُ الأَصْلِ؛ لأنَّهما إذا كانا حَيَّيْنِ، رُجِىَ حُضورُهما، فكانا كالحاضرَيْنِ. وعن أحمدَ مثلُ هذا، إِلَّا أَنَّ القاضىَ تأوَّلَه على الموتِ، وما فى معناه مِن الغَيْبَةِ


(٤) فى ب: "لأنها".
(٥) سقط من: أ، ب، م.
(٦) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>