للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البَعيدَةِ ونحوِها. ويُمْكِنُ تأْويلُ قولِ الشَّعْبِىِّ على هذا، فيَزُولُ هذا الخلافُ. ولَنا، على اشْتِراطِ [تَعذُّرِ شَهادةِ شاهدِ الأَصْلِ، أنَّه إذا أمْكَنَ] (٧) الحاكمَ أن يَسمَعَ (٨) شهادةَ شاهِدَىِ الأصل، اسْتغْنَى عن البحثِ عن عَدالةِ شاهِدَىِ الفَرْعِ، وكان أحْوطَ للشَّهادةِ، فإِنَّ سماعَه منهما مَعْلومٌ، وصِدْقَ شاهِدَىِ الفَرعِ عليها (٩) مَظْنونٌ، والعملُ باليقينِ مع إمْكَانِه، أوْلَى من اتِّباعِ الظَّنِّ، ولأنَّ شَهادةَ الأَصْلِ تُثْبِتُ نفسَ الحقِّ، وهذه إنَّما تُثْبِتُ الشَّهادةَ عليه، ولأنَّ فى شهادةِ الفَرْعِ ضَعْفًا؛ لأَنَّه يَتطرَّقُ إليها احْتمالان؛ احتمالُ غَلَطِ شاهِدَى الأَصْلِ، واحْتمالُ غَلَطِ شاهِدَىِ الفَرْعِ، فيَكونُ ذلك وَهْنًا فيها، ولذلك لم تَنْتَهِضْ لإثْباتِ الحُدودِ والقِصاصِ، فيَنْبَغِى أن لا تَثْبُتَ إِلَّا عندَ عَدَمِ شهادةِ (١٠) الأَصْلِ، كسائرِ الأبْدالِ، ولا يَصِحُّ قياسُها على أخْبارِ الدِّياناتِ؛ لأَنَّه خُفِّفَ فيها، ولهذا لا يُعتَبَرُ فيها العددُ، ولا الذُّكورِيَّةُ، ولا الحُرِّيَّةُ، ولا اللَّفْظُ، والحاجةُ داعِيَةٌ إليها فى حَقِّ عُمومِ الناسِ، بخلافِ مَسْألِتنا. ولَنا، على قَبُولِها عندَ تعذُّرِها بغيرِ الموت، أنَّه تَعذَّرَتْ شهادةُ الأَصْلِ، فتُقْبَلُ شَهادةُ الفَرْعِ، كما لو ماتَ شاهِدَا الأَصْلِ، ويُخالِفُ الحاضِرَيْن؛ فإِنَّ سَماعَ شَهادَتِهما مُمْكِنٌ، فلم يَجُزْ غيرُ ذلك. إذا ثبَتَ هذا، فذكرَ القاضى أن الغَيْبَةَ المُشْترَطةَ لسَماعِ شَهادةِ الفَرْعِ، أن يكونَ شاهدُ الأَصلِ بمَوْضع لا يُمْكِنُه أن يَشْهَدَ ثم يَرْجِعَ من يَوْمِه. وهذا قالَه أبو يوسفَ، وأبو حامدٍ من أصحاب الشَّافعىِّ؛ لأنَّ الشَّاهدَ تَشُقُّ عليه المُطالَبةُ بمِثْلِ هذا السَّفَرِ، وقد قال اللَّه تعالى: {وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} (١١). وإذا لم يُكلَّفِ الحُضورَ، تَعذَّرَ سَماعُ شَهادتِه، فاحْتِيجَ إلى سَماعِ شَهادَةِ الفَرْعِ. وقال أبو الخَطَّابِ: تُعْتَبَرُ مسافةُ القَصْرِ. وهو قولُ أبى حنيفةَ، وأبى الطَّيِّبِ الطّبرىِّ (١٢)، مع اخْتِلافِهم فى مَسافةِ القَصْرِ كلٌّ على أصْلِه؛ لأنَّ ما دونَ ذلك فى


(٧) سقط من: ب.
(٨) فى الأصل: "استمع".
(٩) سقط من: م.
(١٠) فى م: "شاهدى".
(١١) سورة البقرة ٢٨٢.
(١٢) أبو الطيب طاهر بن عبد اللَّه بن طاهر الطبرى، أحد حملة مذهب الإمام الشافعى ورفعائه، توفى سنة خمسين وأربعمائة. طبقات الشافعية الكبرى ٥/ ١٢ - ٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>