للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَكَلَ مِنْ لَحْمِ الْأَنْعامِ، أو الطَّائِرِ (٣)، أو السَّمَكِ، حَنِثَ)

أما إذا أكَلَ من لَحْمِ الأنْعامِ أو الصَّيْدِ أو الطائِرِ، فإنَّه يَحْنَثُ، فى قولِ عامَّةِ عُلَماءِ الأمْصارِ. وأمَّا السَّمَكُ، فظاهِرُ المذهبِ أنَّه يَحْنَثُ بأَكْلِه. وبهذا قال قَتادَةُ، والثَّوْرىُّ، ومالِكٌ، وأبو يوسفَ. وقال ابنُ أبى موسى، فى "الإِرْشادِ": لا يَحْنَثُ به، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَه. وهو قولُ أبى حنيفةَ، والشافِعِىِّ، وأبى ثَوْرٍ؛ لأَنَّه لا يَنْصَرِفُ إليه إطْلاقُ اسمِ اللَّحْمِ، ولو وكَّلَ وكيلًا فى شِراءِ اللّحْمِ، فاشْتَرَى له سَمَكًا، لم يَلْزَمْه، ويَصِحُّ أَنْ ينْفِىَ عنه الاسْمَ، فيقولَ: ما أَكَلْتُ لحمًا، وإنما أَكَلْتُ سَمَكًا. فلم يتَعَلَّقْ به الحِنْثُ عندَ الإِطْلاقِ، كما لو حَلَفَ: لا قَعَدْتُ تحتَ سَقْفٍ. فإنَّه لا يَحْنَثُ لِقُعُودِه (٤) تحتَ السماءِ، وقد سَمَّاها اللَّه تعالَى {سَقْفًا مَحْفُوظًا} (٥) لأنَّه مَجازٌ، كذا ههُنا. ولَنا، قولُ اللَّه تعالَى: {وَهُوَ الَّذِى سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} (٦). وقال: {وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} (٧). ولأَنَّه من جِسْمِ حَيَوانٍ، ويُسَمَّى لَحْمًا، فحَنِثَ بأَكْلِه، كلَحْمِ الطَّائِرِ، وما ذَكَرُوه يبْطُلُ بلَحْمِ الطائِرِ. وأمَّا السَّماءُ، فإِنَّ الحالِفَ لا (٨) يقعُدُ تحتَ سَقْفٍ، لا يُمْكِنُه التَّحَرُّزُ من القُعودِ تحتَها، فيُعْلَمُ أنَّه لم يُرِدْها بيَمِينِه، ولأَنَّ التَّسْمِيَةَ ثَمَّ مَجازٌ، وههُنا هى حَقِيقَةٌ؛ لكَوْنِه من جِسْمِ حَيَوانٍ يصْلُحُ للأَكْلِ، فكان الاسمُ فيه حقيقَةً، كلَحْمِ الطائِرِ، حيثُ قال اللَّه تعالى: {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} (٩).

فصل: ويَحْنَثُ بأَكْلِ اللَّحْمِ المُحرَّم، كلَحْمِ المَيْتَةِ والخِنْزِيرِ والمغْصوبِ. وبه قال أبو حنيفةَ. وقال الشافِعِىُّ، فى أحَدِ الوَجْهَيْن: لا يَحْنَثُ بأَكْل المُحرَّمِ بأَصْلِه؛ لأنَّ يَمِينَه تنْصَرِفُ إلى ماْ يَحِلُّ دُونَ (١٠) ما يَحْرُمُ، فلم يَحْنَثْ بما لا يَحِلُّ، كما لو حَلَفَ لا يَبِيعُ،


(٣) فى ب، م: "الطيور".
(٤) فى م: "بالقعود".
(٥) سورة الأنبياء ٣٢.
(٦) سورة النحل ١٤. وفى النسخ: {اللَّهُ الَّذِى سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ}. خطأ.
(٧) سورة فاطر ١٢.
(٨) فى م: "ألا".
(٩) سورة الواقعة ٢١.
(١٠) فى م: "لا إلى".

<<  <  ج: ص:  >  >>