للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالوَقْفِ، وما ذَكَرُوه (٥) فى شراءِ آلةِ البيتِ، يبْطُلُ باللَّحْمِ، لا يجوزُ بَيْعُه بآلةِ البيتِ وإِنْ كان يُنْتفَعُ به. فأمَّا جوازُ الانْتفاعِ بجلودِها وجِلالِها، فلا خِلافَ فيه؛ لأنَّه جُزْءٌ منها، فجازَ للمُضَحِّى الانْتِفاعُ به، كاللَّحْمِ، وكان علقمةُ ومَسْروقٌ يدْبُغانِ جِلْدَ أضْحِيَتهما، ويُصَلِّيانِ عليه. ورَوَت عائِشَةُ، قالت: قُلْتُ: يا رسولَ اللَّه، قد كانُوا يَنْتَفِعُون من ضَحاياهم، يَحْمِلُون مِنْها الوَدَكَ (٦)، ويَتَّخِذُونَ منها الأسْقِيَةَ. قال: "ومَا ذَاكَ؟ ". قالت: نَهَيْتَ عن إمْساكِ لُحومِ الأضاحِى بعدَ (٧) ثلاثٍ. قال: "إنَّما نَهَيْتُكُمْ لِلدَّافَّةِ الَّتى دَفَّتْ، فَكُلُوا، وتَزَوَّدُوا، وتَصَدَّقُوا". حديثٌ صَحِيحٌ، رواه مالِكٌ (٨)، عن عبدِ اللَّه بنِ أبى بكرٍ، عن عَمْرَةَ، عن عائِشَةَ، رَضِىَ اللَّهُ عنها. ولأَنَّه انْتِفاعٌ به، فجازَ كلَحْمِها.

١٧٦٢ - مسألة؛ قال: (ويَجُوزُ أَنْ يُيْدِلَ الأُضْحِيَةَ إِذَا أَوْجَبَهَا بخيْرٍ مِنْهَا)

هذا المنْصوصُ عن أحمدَ. وبه قال عَطاءٌ، ومجاهِدٌ، وعِكْرِمَةُ، ومالكٌ، وأبو حَنِيفَةَ، ومحمدُ بنُ الحسنِ. واختارَ أبو الخَطَّاب أنَّه لا يَجُوزُ بَيْعُها، ولا إبْدالُها؛ لأنَّ أحمدَ نَصَّ فى الهَدْى إذا عطِبَ، أنَّهُ يُجْزِئُ عنه، وفى الأُضْحِيَةِ (١) إذا هَلَكَتْ، أو ذَبَحَها فسُرِقَت، لا بَدَلَ عليه. ولو كانَ ملكُه ما زالَ عنها، لَزِمَه بَدَلُها فى هذه المسائِل. وهذا مذهبُ أبى يوسفَ، والشافِعِىِّ، وأبى ثَوْرٍ؛ لأنَّه قد جَعَلَها للَّه تعالى، فلم يَمْلِكْ التَّصَرُّفَ فيها بالبَيْعِ والإبْدالِ، كالوَقْفِ. ولَنا، ما رُوِىَ، أن النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ساقَ مائةَ بدَنَةٍ (٢) فى حِجَّتِه، وقَدِمَ على من الْيَمَنِ، فأشْرَكَه فيها. روَاه مُسْلِم (٣). وهذا نوعٌ من الهِبَةِ أو بَيْعٌ، ولأنَّه عدَلَ عَنْ عَيْن وَجَبَت لِحَقِّ اللَّه تعالى إلى خيرٍ منها من جِنْسِها، فجازَ، كما لو وَجَبَتْ عليه بنتُ


(٥) فى الأصل، أ: "ذكره".
(٦) الودك: الشحم.
(٧) فى م: "فرق".
(٨) تقدم تخريجه، فى صفحة ٣٨١.
(١) فى م زيادة: "أنه".
(٢) سقط من: ب.
(٣) تقدم تخريحه، فى: ٥/ ١٥٦. فى حديث جابر الطويل.

<<  <  ج: ص:  >  >>