للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إيَّاها قبلَ مَحِلِّها عن القُرْبَةِ، فبَقِيَت مُجَرَّدَ شاةِ لحمٍ. ويَحْتَمِلُ أَنْ يكونَ حكمُها حُكْمَ الأُضْحِيَةِ، كالهَدْى إذا عَطِبَ؛ لا يخْرُجُ عن حكمِ الهَدْى على رِوايَةٍ، ويكونُ مَعْنَى قولِه: "شَاةُ لَحْمٍ". أى فى فَضْلِها وثوابِها خاصَّةً، دونَ ما يَصْنَعُ بها.

١٧٦٥ - مسألة؛ قال: (ولا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَذْبَحَها إِلَّا مُسْلِمٌ، وإِنْ ذَبَحَها بِيَدهِ كَانَ أَفْضَلَ)

وجُمْلَتُه أنَّه يُسْتَحَبُّ أَنْ لا يَذْبَحَ الأُضْحِيَةَ إلَّا مُسْلِمٌ؛ لأنَّها قُرْبَةٌ، فلا يَليها غيرُ أهلِ القُرْبَةِ، وإن اسْتَنابَ ذِمِّيًّا فى ذبْحِها، جازَ مع الكراهَةِ. وهذا قولُ الشافِعِىِّ، وأبى ثَوْرٍ، وابنِ المُنْذِرِ. وحُكِىَ عن أحمدَ، لا يجوزُ أَنْ يذبَحَها إلَّا مُسْلِمٌ. وهذا (١) قولُ مالِكٍ. وممَّنْ كَرِهَ ذلك علىٌّ، وابنُ عبّاسٍ، وجابِرٌ، رَضِىَ اللَّهُ عنهم. وبه قال الحَسَنُ، وابنُ سِيرِينَ. وقال جابِرٌ: لا يذْبَحُ النُّسُكَ إلَّا مُسْلِمٌ؛ لما رُوىَ فى حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ الطويلِ عن النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ولا يَذْبَحُ ضَحَايَاكُمْ إِلَّا طَاهِرٌ" (٢). ولأَنَّ الشحومَ تحْرُمُ علينا ممَّا يَذْبَحُونَه على رِوايَةٍ، فيكونُ ذلك بِمَنزلَةِ إتْلافِه. ولَنا، أن مَنْ جازَ له ذَبحُ غيرِ الأُضْحِيَةِ، جازَ له ذبحُ الأُضْحِيَةِ، كالمسلمِ، ويجوزُ أَنْ يَتَوَلَّى الكافِرُ ما كانَ قُرْبَة للمسلمِ، كبناءِ المساجِدِ والقناطِرِ، ولا نُسَلِّمُ تَحْريمَ الشُّحومِ علينا بِذَبْحِهم، والحديثُ محمولٌ على الاسْتِحْبابِ، والمُسْتَحَبُّ أَنْ يذْبَحَها المسلمُ ليَخْرُجَ من الخلافِ. وإِنْ ذَبَحَها بِيَدِه كان أفضلَ؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ضَحَّى بكَبْشَيْن أقْرَنَيْنِ أمْلَحَيْن، ذَبَحَهُما بِيَدِه، وسَمَّى وكبَرَ، ووَضعَ رِجْلَه على صفاحِهِما (٣). ونَحَرَ البَدَناتِ السِّتَّ بِيَدِهِ (٤). ونحرَ فى (٥) البُدْنِ التى ساقَها فى حجَّتِه ثلاثًا وسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِه (٦). ولأنّ فِعْلَه قُرْبةٌ، وفعلُ القُرْبَةِ أوْلَى من اسْتِنابتِه فيها. فإن اسْتَنابَ فيها، جازَ؛ لأَنَّ النبىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- اسْتنابَ مَنْ نحرَ [ما بَقِىَ من] (٧) بُدْنِه بعدَ ثلاثٍ وسِتِّينَ (٦).


(١) فى ب: "وهو".
(٢) لم نجد حديث ابن عباس الطويل هذا.
(٣) تقدم تخريجه، فى: ٥/ ٢٩٩.
(٤) تقدم تخريجه، فى: ٥/ ٣٠١.
(٥) فى م: "من".
(٦) تقدم تخريجه، فى: ٥/ ١٥٦.
(٧) فى م: "باقى".

<<  <  ج: ص:  >  >>