للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من غيرِ نِيَّةٍ، فلا يُعارَضُ القوىُّ بالضَّعيفِ، كما لا يُعارضُ النَّصُّ بالقياسِ، ولأنَّ النِّيَّةَ إنَّما تَعْملُ فى صَرْفِ اللَّفظِ إلى بعض مُحْتَمِلَاتِه، والثّلاثُ نصٌّ فيها، لا يَحْتمِلُ الواحدةَ بحالٍ، فإذا نَوَى واحدةً، فقد نَوَى ما لا يَحْتمِلُه، فلا يَصحُّ، كما لو قال: له علىَّ ثلاثةُ دَرَاهِمَ. وقال: أردتُ واحدًا.

١٢٧٨ - مسألة؛ قال: (وَإِنْ طَلَّقَ وَاحِدةً، وَهُوَ يَنْوِى ثَلاثًا، فَهِىَ وَاحِدةٌ)

أمَّا إذا قال: أنتِ طالقٌ (١) واحدةً. ونَوَى ثلاثًا (٢)، لم يَقعْ إِلَّا واحدةٌ؛ لأنَّ لَفْظَه لا يَحْتَمِلُ أكثرَ منها، فإذا نَوَى ثلاثًا، فقد نَوَى ما لا يَحْتَمِلُه لفظُه، فلو وقعَ أكثرُ من ذلك، لوقعَ بمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، ومُجرَّدُ النِّيَّةِ لا يَقعُ بها طلاقٌ (٣). وقال أصحابُ الشافعىِّ، فى أحدِ الوَجْهينِ: يقَعُ ثلاثٌ؛ لأنَّه يَحْتَمِلُ واحدة معها اثْنتانِ وهذا فاسدٌ، فإنَّ قولَه: معها اثنتانِ. لا يُؤذِّيه معنى الواحدةِ، ولا يَحْتمِلُه، فَنِيَّتُه فيه نِيَّةٌ (٤) مُجرَّدةٌ، فلا تَعْملُ، كما لو نَوَى الطَّلاقَ من غيرِ لفظٍ. وأمَّا إذا قال: أنتِ طالقٌ. ونَوَى ثلاثًا، فهذا فيه رِوَايتانِ؛ إحْداهما، لا يَقعُ إلَّا واحدةٌ، وهو قولُ الحسنِ، وعمرو بنِ دينارٍ، والثَّورىِّ، والأوْزاعىِّ، وأصحابِ الرَّأْىِ؛ لأنَّ هذا اللَّفظَ لا يَتَضَمَّنُ عددًا، ولا بَيْنُونَةً، فلم تَقَع به الثَّلاثُ، كما لو قال: أنتِ طالقٌ واحدةً. بيانُه أَنَّ قولَه: أنتِ طالقٌ. إخبارٌ عن صِفَةٍ هى عليها، فلم يَتَضمّنِ العَدَدَ، كقولِه: قائمةٌ، وحائضٌ، وطاهِرٌ. والرِّوايةُ الثّانيةُ، إذا نَوَى ثلاثًا، وقَع الثَّلاثُ. وهو قولُ مالكٍ، والشافعىِّ، وأبى عُبَيدٍ، وابنِ المُنْذرِ؛ لأنَّه لفظٌ لو قُرِنَ به لفظُ الثَّلاثِ، كان ثلاثًا، فإذا نَوَى به الثَّلاثَ، كان ثلاثًا، كالكناياتِ، ولأنَّه نَوَى بلفْظِه ما يَحْتمِلُه، فوقَع ذلك به، كالْكنايةِ. وبيانُ احْتمالِ اللَّفظِ للعَدَدِ (٥)، أنَّه يَصِحُّ تفْسيره به؛ فيقولُ: أنتِ طالقٌ ثلاثًا. ولأنَّ قولَه:


(١) فى م: "طلق".
(٢) فى م: "الثلاث".
(٣) فى أ: "الطلاق".
(٤) سقط من: ب.
(٥) فى أ: "العدد".

<<  <  ج: ص:  >  >>