للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَرْتَفِقُ بما لم يَتَعَيَّنْ مِلْكُ أحَدٍ عليه. فإن قِيل: في هذا إضْرَارٌ بأَهْلِ الدَّرْبِ؛ لأنَّه بِجَعْلِه نَافِذًا يَسْتَطْرِقُ إليه من الشَّارِعِ. قُلْنا: لا يَصِيرُ الدَّرْبُ نَافِذًا، وإنَّما تَصِيرُ دَارُه نَافِذَةً، وليس لأحدٍ اسْتِطْرَاقُ دَارِه. فأمَّا إن كان بَابُه في الشَّارِعِ، وظَهْرُ دَارِه إلى الزُّقَاقِ الذي لا يَنْفُذُ، فأرَادَ أن يَفْتَحَ بَابًا إلى الزُّقَاقِ للاسْتِطْرَاقِ، لم يكُنْ له ذلك؛ لأنَّه ليس له حَقٌّ في الدَّرْبِ الذي قد تَعَيَّنَ عليه مِلْكُ أَرْبَابِه. ويَحْتَمِلُ الجَوَازَ، كما ذَكَرْنا في الوَجْهِ الذي قد تَقَدَّمَ. وإن أرَادَ أن يَفْتَحَ فيه بَابًا لغير الاسْتِطْرَاقِ، أو يَجْعَلَ له بَابًا يَسْمُرُهُ، أو شُبَّاكًا، جَازَ؛ لأنَّه لمَّا كان له رَفْعُ الحائِطِ بِجُمْلَتِه، فبعضُه أَوْلَى. قال ابنُ عَقِيلٍ: ويَحْتَمِلُ عندى أنَّه لا يَجُوزُ؛ لأنَّ شَكْلَ البَابِ مع تَقَادُمِ العَهْدِ ربَّما اسْتُدِلَّ به على حَقِّ الاسْتِطْرَاقِ، فيَضُرُّ بأَهْلِ الدَّرْبِ، بِخِلَافِ رَفْعِ الحائِطِ؛ فإنَّه لا يَدُلُّ على شيءٍ.

فصل: وإذا كان لِرَجُلٍ دَارَانِ مُتَلَاصِقَتَانِ ظَهْرُ كلِّ واحِدَةٍ منهما إلى ظَهْرِ الأُخْرَى، وبابُ كلِّ واحِدَةٍ منهما في زُقَاقٍ غيرِ نَافِذٍ، فرَفَعَ الحاجِزَ بينهما، وجَعَلَهُما دَارًا واحِدَةً، جَازَ. وإن فَتَحَ من كلِّ واحِدَةٍ منهما بَابًا إلى الأُخْرَى، ليتمَكَّنَ من التَّطَرُّقِ من كلِّ واحِدَةٍ منهما إلى كِلَا الدَّارَيْنِ، لم يَجُزْ. ذَكَرَهُ القاضي؛ لأن ذلك يُثْبِتُ الاسْتِطْرَاقَ في الدَّرْبِ الذي لا يَنْفُذُ من دَارٍ لم يكُنْ لها فيه طَرِيقٌ، ولأنَّ ذلك ربَّما أَدَّى إلى إثْبَاتِ الشُّفْعَةِ في قَوْلِ من يُثْبِتُها بالطَّرِيقِ لكلِّ واحِدَةٍ من الدَّارَيْنِ في زُقَاقِ الأُخْرَى. ويَحْتَمِلُ جَوَازَ ذلك؛ لأنَّ له رَفْعَ الحاجِزِ جَمِيعِه، فبعضُه أَوْلَى، وهذا أشْبَهُ، وما ذَكَرْنَاهُ لِلْمَنْعِ مُنْتَقِضٌ بما إذا رَفَعَ الحائِطَ جَمِيعَه. وفى كلِّ مَوْضِعٍ قُلْنا: ليس له فِعْلُه. إذا صَالَحَهُ أهْلُ الدَّرْبِ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ، أو أَذِنُوا له بغيرِ عِوَضٍ، جَازَ.

فصل: إذا تَنَازَعَ صَاحِبُ البَابَيْنِ في الدَّرْبِ، وتَدَاعَيَاهُ، ولم يكُنْ فيه بَابٌ لغيرِهما، ففيه ثلاثةُ أَوْجُهٍ: أحدُها، أنَّه يُحْكَمُ بالدَّرْبِ من أَوَّلِه إلى البابِ الذي يَلِي أَوَّلَهُ بينهما؛ لأنَّ لهما الاسْتِطْرَاقَ فيه جميعًا، وما بعدَه إلى صَدْرِ الدَّرْبِ للآخَرِ؛ لأنَّ الاسْتِطْرَاقَ في

<<  <  ج: ص:  >  >>