للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إكْذابٍ. والأَوْلَى أنَّه متى عَلِمَ مِن نَفسِه الصِّدْقَ فيما قذَفَ به (٥)، فتَوْبتُه الاسْتِغفارُ، والإِقْرارُ ببُطْلانِ ما قالَه وتَحْريمِه، وأنَّه لا يَعُودُ إلى مثلِه. وإن لم يَعْلَمْ صِدْقَ نَفسِه، فتوْبَتُه إكْذابُ نفسِه، سواءٌ كان القَذْفُ بشَهادةٍ أو سَبٍّ؛ لأَنَّه قد يكونُ كاذبًا فى الشَّهادةِ، صادقًا فى السَّبِّ. ووَجْهُ الأوَّلِ، أَنَّ اللَّهَ تعالى سمَّى القاذِفَ كاذِبًا إذا لم يَأْتِ بأربعةِ شُهداءَ على الإِطْلاقِ، بقولِه سبحانه: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} (٦). فتَكْذيبُ الصَّادقِ نفسَه يَرْجِعُ إلى أنَّه كاذِبٌ فى حُكمِ اللَّهِ، وإن كان فى نفسِ الأمْرِ صادقًا.

فصل: وكلُّ ذَنْبٍ تَلْزَمُ فاعلَه التَّوبةُ منه، ومتى (٧) تابَ منه، قَبلَ اللَّه توبتَه، بدليلِ قولِه تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٣٥) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ} (٨) الآية. وقال: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} (٩). ولأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ" (١٠). وقال عمرُ، رَضِىَ اللَّهُ عنه: بَقيَّةُ عمرِ المرءِ (١١) لا قِيمةَ له، يُدْرِكُ فيه ما فاتَ، ويُحْيِى فيه ما أماتَ، ويُبدِّلُ اللَّه سيئاتِه حَسَناتٍ. والتَّوْبةُ على ضَرْبَيْنِ؛ باطِنةٌ، وحُكْمِيَّة، فأمَّا الباطنةُ، فهى ما بينَه وبينَ ربِّه تعالى، فإن كانتِ المَعْصِيَةُ لا تُوجِبُ حقًّا عليه فى الحُكمِ، كقُبْلَةِ أجْنَبيَّةٍ، أو الخَلْوَةِ بها، وشُرب مُسْكرٍ، أو كَذِبٍ، فالتَّوبةُ منه النَّدمُ، والعَزْمُ على أن لا يعُودَ. وقد رُوِىَ عن النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه قال: "النَّدَمُ تَوْبَةٌ" (١٢). وقيل: التَّوبةُ النَّصُوحُ


(٥) سقط من: ب.
(٦) سورة النور ١٣.
(٧) سقطت الواو من: ب، م.
(٨) سورة آل عمران ١٣٥، ١٣٦.
(٩) سورة النساء ١١٠.
(١٠) تقدم تخريجه، فى: ٩/ ٥٦٣.
(١١) فى أ، ب، م: "المؤمن".
(١٢) أخرجه ابن ماجه، فى: باب ذكر التوبة، من كتاب الزهد. سنن ابن ماجه ٢/ ١٤٢٠. والإمام أحمد، فى: المسند ١/ ٣٧٦، ٤٢٣، ٤٣٣. والحاكم، فى: كتاب التوبة والإنابة. المستدرك ٤/ ٢٤٣. والبيهقى، فى: =

<<  <  ج: ص:  >  >>