للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناسَ فقال: ألَا لَا تُغالُوا فى صَداقِ النِّساءِ، فما أصْدَقَ رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أحدًا من نِسائِه، ولا أحدًا من بَناتِه، أكثرَ من اثْنَتَى عشرَةَ أُوقِيَّةً (٣). وكان ذلك بمَحْضرٍ من الصَّحابةِ، ولم يُنْكِرُوه، فكان اتفاقًا منهم على أَنَّ له أن يُزَوِّجَ بذلك وإن كان دونَ صَداقِ المِثْلِ. وزَوّجَ سعيدُ بن المُسَيَّبِ ابنتَه بدِرْهَمَيْنِ، وهو من ساداتِ قُرَيْشٍ، شَرَفًا وعِلْمًا ودِينًا، ومن المعْلومِ أنَّه لم يكُنْ مَهْرَ مِثْلِها، ولأنَّه ليس المقصودُ من النِّكاحِ العِوَضَ، وإنَّما المقصودُ السَّكَنُ والازْدِواجُ، ووَضْعُ المرأةِ فى مَنْصِبٍ عندَ مَنْ يَكْفُلُها (٤)، ويُصُونُها، ويُحْسِنُ عِشْرَتَها، والظاهرُ من الأبِ، مع تمامِ شَفَقَتِه، وبُلُوغِ نَظَرِهِ (٥)، أنَّه لا يَنْقُصُها من صَدَاقِها إلَّا لِتَحْصِيلِ المعانِى المَقْصُودةِ بالنِّكاحِ، فلا يَنْبَغِى أن يُمْنَعَ من تَحْصِيلِ المقْصودِ بتَفْوِيتِ غيرِه، ويُفارِقُ سائرَ عُقُودِ المُعاوَضاتِ، فإنَّ المقصودَ فيها العِوَضُ، فلم يَجُزْ تَفْوِيتُه، فأمَّا غيرُ الأبِ، فليس له أن يَنْقُصَها من مَهْرِ مِثْلِها، فإن زَوَّجَ بدون ذلك، صَحَّ النِّكاحُ؛ لأنَّ فَسادَ التَّسْمِيةِ وعَدَمَها (٦) لا يُؤَثِّر فى النِّكاحِ، ويكونُ لها مَهْرُ مِثْلِها؛ لأنَّه قِيمَةُ بُضْعِها، وليس للوَلِىِّ نَقْصُها منه، فرجَعَتْ إلى مهرِ المِثْلِ (٧). واللَّه أعلم.

فصل: وتَمامُ المَهْرِ على الزَّوْجِ؛ لأنَّ التَّسْمِيةَ ههُنا فاسدةٌ؛ لكَوْنِها غيرَ مَأْذُونٍ فيها شَرْعًا، فوَجَبَ على الزَّوْجِ مَهْرُ المِثْلِ، كما لو زوَّجَها بمَحْرَمٍ. وعلى الوَلِىِّ ضَمانُه؛ لأنَّه المُفَرِّطُ، فكان عليه الضَّمانُ، كما لو باع مالَها بدون ثَمَنِ مِثْلِه. قال


(٣) أخرجه أبو داود، فى: باب فى الصداق، من كتاب النكاح. سنن أبى داود ١/ ٤٨٥، ٤٨٦. وابن ماجه، فى: باب صداق النساء، من كتاب النكاح. سنن ابن ماجه ١/ ٦٠٧. والدارمى، فى: باب كم كانت مهور أزواج النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- وبناته، من كتاب النكاح. سنن الدارمى ٢/ ١٤١. والإمام أحمد، فى: المسند ١/ ٤٠، ٤١، ٤٨.
(٤) فى م: "يكفيها".
(٥) فى م: "نظرته".
(٦) فى الأصل: "وعدتها".
(٧) فى م: "مثلها".

<<  <  ج: ص:  >  >>