للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخُراسَانِىُّ: لا يصومُ مَنْ مَلَكَ عشرين (٤)، ولِمن يَمْلِكُ (٥) دُونَها الصيامُ. وقال سعيدُ ابنُ جُبَيْرٍ: إذا لم يَمْلِكْ إِلَّا ثلاثَةَ دَراهِمَ، كَفَّرَ بها. وقال الحسنُ: دِرْهَمَيْن. وهذان القَوْلانِ نحوُ قَوْلِنا. ووَجْهُ ذلك، أَنَّ اللَّه تعالى اشْتَرَطَ للصِّيامِ أَنْ لا يَجِدَ، بِقَوْلِه تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} (٦). ومَنْ وَجَدَ ما يَكْفِيه (٧) فاضِلًا عن قُوتِه وقُوتِ عيالِه، فهو واجِدٌ، فيَلْزَمُه (٨) التَّكْفيرُ بالمالِ، لظاهِرِ الآيَةِ، ولأنَّه حَقٌّ لا (٩) يزيدُ بزيادَةِ المالِ، فاعْتُبِرَ فيه الفاضِلُ عن قُوتِه وقُوتِ عِيالِه، يومَه ولَيْلَتَه، كصَدَقَةِ الفِطْر.

فصل: فإن (١٠) مَلَكَ ما يُكَفِّرُ به، وعليه دَيْنٌ مثلُه، هو مُطالَبٌ به، فلا كَفَّارَةَ عليه؛ لأنَّه حَقُّ آدَمِىٍّ (١١)، والكَفَّارَةُ حَق للَّه تعالى، فإذا كان مُطالَبًا بالدَّيْنِ، وَجَبَ تَقْدِيمُه، كزكَاةِ الفِطر، فإنْ لم يكُنْ مُطالبًا بالدَّيْنِ، فكلامُ أحمدَ يَقْتَضِى رِوايَتَيْن؛ إحْداهُما، تَجِبُ الكَفَّارَةُ؛ لأنَّه لا يُعْتَبَرُ فيها قَدْرٌ من المالِ، فلم تَسْقُطْ بالدَّيْنِ، كزكاةِ الفِطر. والثانِيَةُ، لا تَجِبُ؛ لأنَّها حَقٌّ للَّهِ تعالى، يجبُ فى المالِ، فاسْقَطَها الدَّيْنُ، كزكاةِ المالِ. وهذا أصَحُّ؛ لأنَّ حَقَّ الآدَمِىِّ أَوْلَى بالتَّقْدِيمِ، لشُحِّه، وحاجَتِه إليه، وفيه نَفْعٌ للْغَرِيمِ، وتَفْرِيغُ ذِمَّةِ المَدِينِ، وحَقُّ اللَّه تعالَى مَبْنِىٌّ على المُسامَحَةِ؛ لكَرَمِه وغِناهُ، ولأنَّ الكَفَّارَةَ بالمالِ لها بدَلٌ، ودَيْنُ الآدَمِىِّ لا بَدَلَ له، ويُفارِقُ صَدَقَةَ الفِطرْ، لكَوْنِها أُجْرِيَتْ مُجْرَى النَّفَقَةِ، ولهذا يَتَحَملُها الإِنْسانُ عن غيرِه، كالزَّوْجِ عن امْرَأَته وعائِلَتِه ورَقِيقِه، ولا بَدَلَ لها، بخلافِ الكَفَّارَةِ.

فصل: فإنْ كان له مالٌ غائِبٌ، أو دَيْنٌ يَرْجُو وَفاءَه، لم يُكفِّرْ بالصِّيامِ. وهذا قولُ


(٤) فى م زيادة: "درهما".
(٥) فى ب: "ملك".
(٦) سورة المائدة ٨٩.
(٧) فى م: "يكفر به".
(٨) فى ب: "فلزمه".
(٩) سقط من: أ، ب.
(١٠) فى م: "فلو".
(١١) فى م: "الآدمى".

<<  <  ج: ص:  >  >>