للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن عليِّ بن أبي طالِبٍ، رَضِىَ اللهُ عنه، أن رسولَ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان قائِمًا يُصَلِّى بهم، فانصَرَف، ثم جَاءَ وَرَأْسُه يَقْطُرُ، فقال: "إني قُمْتُ بِكمْ، ثُمَّ ذَكَرْتُ أنِّي كُنْتُ جُنُبًا ولم أَغْتَسِلْ، فانْصَرَفْتُ فَاغْتَسَلْتُ، فَمَنْ أصَابَه مِنْكُمْ مِثْلُ الَّذِى أصَابَنِى، أوْ أَصَابَهُ فِي بَطْنِه رِزٌّ (١٩)، فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَغْتَسِلْ، أو ليَتَوَضَّأْ، ولْيَسْتَقْبِلْ صَلاتَهُ". رَوَاهُ الأثْرَمُ. ولأنَّه فقد شَرْطَ الصَّلاةِ في أثْنائها على وَجْهٍ لا يَعُودُ إِلَّا بعد زَمَنٍ طَوِيلٍ وعَمَلٍ كَثِيرٍ، ففَسَدَتْ صَلاتُه، كما لو تَنَجَّسَ نَجَاسَةً يَحْتَاجُ في إزَالَتِها إلى مثلِ ذلك، أو انْكَشَفَتْ عَوْرَتُه ولم يَجِد السُّتْرَةَ إلَّا بَعِيدَةً منه، أو تَعَمَّدَ الحَدَثَ، أو انْقَضَت مُدَّةُ المَسْحِ، وحَدِيثُهم ضَعِيفٌ.

فصل: قال أصْحَابُنا: يَجُوزُ أن يَسْتَخْلِفَ مَن سبقَ بِبَعْضِ الصَّلاةِ، ولِمَن جاء بعدَ حَدَثِ الإِمامِ، فيَبْنِى على ما مَضَى من صَلاةِ الإِمامِ من قِرَاءَةٍ أو رَكْعَةٍ أو سَجْدَةٍ، ويَقْضِى بعد فَرَاغِ صلاةِ المأْمُومِينَ. وحُكِىَ هذا القَوْلُ عن عمرَ، وعليٍّ، وأَكْثَرِ مَن وَافَقَهما في الاسْتِخْلافِ. وفيه رِوَايَةٌ أُخْرَى، أنَّه مُخَيَّرٌ بين أن يَبْنِىَ أو يَبْتَدِئَ. قال مالِكٌ: يُصَلِّى لِنَفْسِه صَلَاةً تامَّةً، فإذا فَرَغُوا من صَلاتِهم قَعَدُوا وانْتَظَرُوه حتَّى يُتِمَّ ويُسَلِّمَ معهم؛ لأنَّ اتِّبَاعَ المأْمُومِينَ لِلإِمامِ أوْلَى من اتِّبَاعِه لهم، فإنَّ الإِمامَ إنَّما جُعِلَ ليُؤْتَمَّ به. وعلى كِلْتا الرِّوَايَتَيْنِ إذا فَرَغَ المأْمُومُونَ قبلَ فَرَاغِ إمامِهِمْ، وقامَ لِقَضَاءِ ما فاتَه، فإنَّهم يَجْلِسُونَ ويَنْتَظِرُونَه حتى يُتِمَّ ويُسَلِّمَ بهم؛ لأنَّ الإِمامَ يَنْتَظِرُ المأْمُومِينَ في صَلاةِ الخَوْفِ، فانْتِظَارُهم له أوْلَى. وإن سَلَّمُوا ولم يَنْتَظِرُوهُ جَازَ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: يَسْتَخْلِف مَن يُسَلِّم بهم، والأوْلَى. انْتِظارُه. وإن سَلَّمُوا لم يَحْتَاجُوا إلى خَلِيفَةٍ، فإنَّه لم يَبْقَ من الصَّلاةِ إلَّا السَّلامُ، فلا حَاجَةَ إلى الاسْتِخْلافِ فيه. ويَقوَى عندى أنَّه لا يَصِحُّ الاسْتِخْلافُ في هذه الصُّورَةِ؛ لأنَّه إن بَنَى جَلَسَ في غيرِ مَوْضِعِ جُلُوسِه، وصار تَابِعًا للمَأْمُومِينَ، وإن ابْتَدَأَ جَلَسَ المَأْمُومُونَ في غيرِ مَوْضِعِ جُلُوسِهِم، ولم يَرِدِ


= كتاب الصلاة. سنن أبي داود ١/ ٤٧، ٢٣٠. كما أخرجه الترمذي، في: باب كراهية إتيان النساء في أدبارهن، من أبواب الرضاع. عارضة الأحوذى ٥/ ١١١، ١١٢.
(١٩) الرز في الأصل: الصوت الخفى، ويريد به القرقرة. وقيل: هو غمز الحدث وحركته للخروج. النهاية ٢/ ٢١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>